للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قائده وهو راكب، كما أمر واليه على «طرابلس» أن يسير فى

ركاب «جوهر» ويقبِّل يده، فكبر ذلك على والى «طرابلس»،

وأراد أن يعفى نفسه من ذلك مقابل مائة ألف دينار ذهبًا يعطيها

لجوهر، ولكن «جوهر» رفض هذه الأموال ومضى بجيشه الذى

كان يضم مائة ألف جندى حاملا معه أموالا طائلة قيل إنها بلغت

ألفًا ومائتى صندوق حملها على ظهور الجمال، وحين خرج

«المعز» لوداع «جوهر» والجيش بمنطقة «رقادة» قال لمن كانوا

معه: «والله لو خرج جوهر وحده لفتح مصر». فكان لهذه العبارة

أثرها الكبير فى نفس «جوهر»، وكانت له حافزًا على تحقيق ما

خرج من أجله. وصل «جوهر» إلى «مصر»، وحط رحاله

بالإسكندرية التى فتحت أبوابها من غير مقاومة، فعامل

«جوهر» أهلها بالحسنى ووسَّع لهم فى أرزاقهم، فكان لذلك

أثره الطيب فى نفوس الأهالى، كما كان للنظام الذى ظهر به

الجيش، وطاعته لقائده أثره الكبير فى نفوسهم، فرحبوا بالقائد

الجديد. سياسة جوهر فى مصر: عمل «جوهر» على نشر العدل

بين أهل «مصر»، وأمَّنهم على ممتلكاتهم، وجلس للبت فى

المظالم بنفسه رغم شواغله، فرد الحقوق إلى أصحابها، وضرب

بيد من حديد على أيدى العابثين بالنظام حتى إذا كانوا من

خاصته؛ لدرجة أنه عاقب بعض المغاربة بالقتل على إثم كبير

اقترفوه، كما برهن «جوهر» على حسن سياسته حين لجأ إلى

الوسائل السلمية لنشر المذهب الفاطمى، ولم يفرضه كرهًا،

واتخذ من المساجد مدارس يتلقى فيها الناس أصول مذهبه

الشيعى، وذكر اسم الخليفة الفاطمى فى خطبة الجمعة وأسقط

اسم الخليفة العباسى، فكان ذلك إيذانًا بزوال النفوذ العباسى،

وزوال ملك الإخشيديين. حكم «جوهر» «مصر» أربع سنوات هى

من أصعب الفترات وأخطرها، حيث تم فيها إقامة معالم دولة

وتشييدها على أنقاض دولة أخرى؛ فإلى «جوهر» يرجع الفضل

فى تأسيس وبناء «القاهرة» المعزِّية، التى جعل لها أربعة

أبواب منها: «باب النصر»، و «باب الفتوح»، و «بابا زويلة»، كما

<<  <  ج: ص:  >  >>