كانت تصيب الاقتصاد أحيانًا نتيجة لظروف القلق وما يصاحبها
من السلب والنهب - أثراً على خزينة الدولة، ومع ذلك لم يكن
تأثيرها خطيرًا؛ لأن الدولة سرعان ما كانت تتدارك الأخطاء
وتعالج العيوب، وتعمل على سد النقص فى اقتصادها، ولعل
أخطر الأحداث الاقتصادية التى كان لها أكبر الأثر فى سقوط
دولة المماليك هو تحول طرق التجارة بين «أوربا» و «الشرق»
عن طريق «مصر» إلى طريق «رأس الرجاء الصالح» الذى
اكتشفه «فاسكو دى جاما» البرتغالى سنة (١٤٩٨م)، فأحدث
هذا الاكتشاف انقلابًا خطيرًا فى عالم التجارة، وكارثة حقيقية
على دولة المماليك التى كانت تعتمد بصورة كبيرة على التجارة
التى تحولت من حوض «البحر الأبيض المتوسط» إلى «المحيط
الأطلسى» ونضبت خزائن «مصر» من الأموال التى كانت تأتيها
من تجار «البندقية» و «جنوة»، الذين كانوا ينقلون تجارتهم من
«الشرق» إلى «أوربا» عن طريق «مصر» ويدفعون لها الضرائب
عن دخول تجارتهم وخروجها منها، فكان لذلك أثره على كساد
التجارة والزراعة، ولم تعد «مصر» تنتج للأسواق الخارجية
كثيرًا، فقلت موارد البلاد، وتهددتها المجاعات، وانحط شأن
«الإسكندرية»، وقل عدد الأجانب بها، وتأخرت الصناعات
الحيوية، وتدهورت الحالة الفنية؛ لقلة الأموال اللازمة، فهيأ هذا
الوضع الفرصة للسلب والنهب الذى قام به بعض أفراد المماليك،
فدب الضعف فى أوصال الدولة، وبدأت تأخذ طريقها إلى
الضعف والتلاشى؛ لأن موارد البلاد لم تعد كافية لسد احتياجاتها
الضرورية، وزاد الأمر سوءًا فى نهاية عصر المماليك إذ كثرت
الدسائس والمؤامرات، وحوادث السلب والنهب، وتعرضت «مصر»
للمجاعة والاضطراب فى عهد «السلطان برقوق» و «السلطان
شيخ المؤيد» و «السلطان قايتباى»، وزادت الاضطرابات فى
أنحاء البلاد، ولا تكاد تستقر حتى تعود إليها الفوضى ثانية؛
بسبب الفتن التى زادت حدتها فى عهد المماليك البرجية على