كان محبًا للعلم ذواقة للأدب، كما كان شاعرًا جيد النظم. والجدير
بالذكر هنا أن كلا من ابن العميد والصاحب بن عباد كان له مجلس
يحفل بوجوه الشعراء والعلماء والمفكرين، وكان من بين المترددين
على مجلس ابن العميد أبو الطيب المتنبى شاعر العربية الأكبر، وقد
مدحه بقصيدة من عيون شعره، وتوفى الصاحب بن عباد بمدينة الرى
فى سنة (٣٨٥هـ = ٩٩٥م).
ومن الذين تميزوا فى مجال النثر الفنى بديع الزمان الهمذانى (وهو
أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى) الذى سكن هراة من بلاد
خراسان وتُوفِّى بها فى سنة (٣٩٨هـ = ١٠٠٨م) وكان ذلك فى خلافة
القادر بالله. وقد كتب بديع الزمان مقاماته الذائعة الصيت وأبدع
فيها، وهو أول من استوى على يده هذا الفن فى اللغة العربية. وقد
حذا حذوه ووصل بهذا الفن إلى مداه «أبو محمد القاسم بن على
الحريرى البصرى» الذى اعترف فى صدر مقاماته بأنه جعل مقامات
البديع مثالاً له. وقد توفى الحريرى فى حدود سنة (٥١٦هـ = ١١٢٢م)
بالبصرة إبان فترة نفوذ السلاجقة، وذلك فى خلافة المسترشد بالله.
والملاحظ أن شهرة مقامات الحريرى بلغت من الانتشار حدا تتضاءل
بجانبه شهرة مقامات الرائد الأول بديع الزمان. وتكشف مقامات
الحريرى عن البراعة الكبيرة لصاحبها فى التصرف فى اللغة
وتطويعها لما يريده من معان وأفكار، وهى إحدى الوسائل المهمة
لمن يبحثون عن إثراء ملكاتهم اللغوية.
وبجانب الإبداع الأدبى شعرًا ونثرًا تميز العصر العباسى الثانى
بظهور الكثير من الموسوعات الأدبية التى تُعَدّ مراجع أساسية لطلاب
المعرفة فى هذا المجال، ونكتفى هنا بذكر أمثلة لأبرز هذه
الموسوعات، وقد لمع فى هذا الجانب ابن قتيبة الدينورى (أبو محمد
عبدالله بن مسلم) الذى ولد بالكوفة وتثقف بها وسكن بغداد زمنًا
ولكنه نسب إلى الدينور لأنه تولى قضاءها، وقد توفى ابن قتيبة
فى سنة (٢٧٦هـ = ٨٨٩م) فى خلافة المعتمد على الله، وقد خلّف لنا