الثقافة الجغرافية، وعرف التراث الحضارى العباسى جغرافيين
أفذاذًا كاليعقوبى صاحب البلدان، وقد أشرنا إليه، والاصطخرى من
علماء القرن (٤هـ= ١٠م)، وهو صاحب كتاب «مسالك الممالك»، وابن
حوقل والمقدسى وهما من علماء القرن (٤هـ = ١٠م) أيضًا، وللأول
كتاب «المسالك والممالك»؛ وللثانى كتاب «أحسن التقاسيم فى
معرفة الأقاليم»، وهو من الكتب المتميزة فى هذا الفن.
ولعل من أشهر الجغرافيين فى دولة الخلافة العباسية ياقوت
الحموى المتوفى سنة (٦٢٦هـ = ١٢٢٩م) وقد ولد فى حماة كما يبدو
من نسبته، ولكنه عاش فى بغداد، ومعجمه الجغرافى المعروف باسم
«معجم البلدان» يُعدُّ من أغزر المصادر مادة فى التراث الجغرافى
الإسلامى على الإطلاق، وهو يقع فى خمسة مجلدات ضخمة.
كما شهد هذا العصر أيضًا نهضة لا تدانى فى الدراسات العقلية
والفلسفية والكلامية، ونبغ فى هذا المجال أعلام يحتلون مكانة
سامقة فى تاريخ الفكر الإنسانى كله، فمن بين هؤلاء الفيلسوف
الكبير الفارابى المتوفى سنة (٣٣٩هـ= ٩٥٠م) فى مطلع العصر
البويهى، وهو صاحب كتاب «إحصاء العلوم» وكتاب «السياسة
المدنية» وغير ذلك. على أن أبرز هؤلاء هو الشيخ الرئيس ابن سينا
المتوفى سنة (٤٢٨هـ = ١٠٣٧م)، وقد عاش شطرًا من حياته فى
بخارى فى ظل الدولة السامانية.
ومن كتبه الفلسفية المعروفة كتاب «الإشارات» وكتاب «الشفاء»،
وكتاب «النجاة» وغيرها، هذا بالإضافة إلى مؤلفاته الطبية الفائقة،
وفى مجال الدفاع العقلى عن الإسلام والرد على مناوئيه برز اسم
حجة الإسلام «أبى حامد الغزالى» المتوفى سنة (٥٠٥هـ = ١١١١م)،
وهو الذى ناضل الفلاسفة وكتب عن تهافتهم كتابه المعروف «تهافت
الفلاسفة»، وقد باشر «الغزالى» التدريس فى المدرسة النظامية
ببغداد والمدرسة النظامية بنيسابور، وكتابه «إحياء علوم الدين» من
أعظم الكتب التى عرضت الإسلام عرضًا بسيطًا مقنعًا مؤثرًا، ونظرًا