كالتاريخ والفقه والحديث والنحو والأدب وغيرها، ومعظم مؤلفاته لم
تصل إلينا، ولكن موسوعته الضخمة المعروفة باسم «تاريخ بغداد»
وصلت إلينا وهى التى أكسبته شهرة واسعة، وهى تاريخ شامل
لبغداد من حيث نشأتها وأحيائها وقصورها ومختلف معالمها، فضلاً
عن تراجم أعلامها من رجال السياسة والعلم والأدب وغير ذلك، ومن
هنا تعد هذه الموسوعة مصدرًا لا غنى عنه للباحثين فى تاريخ
الخلافة العباسية منذ نشأتها حتى بداية العصر السلجوقى.
وقد لمع عدد آخر من المؤرخين فى المراحل المتأخرة من العصر
العباسى الثانى، لعل أبرزهم عز الدين بن الأثير المتوفى سنة
(٦٣٠هـ = ١٢٣٣م)، وهو صاحب الموسوعة التاريخية الضخمة المعروفة
باسم «الكامل فى التاريخ»، وتقع فى اثنى عشر مجلدًا، وقد حذا
فيها حذو الطبرى فى تاريخه، وتوقف فى روايته التاريخية عند
أحداث سنة (٦٢٨هـ = ١٢٣١م).
وقد شهد ابن الأثير نهاية فترة النفوذ السلجوقى وعاش شطرًا من
حياته فى فترة ما بعد السلاجقة، وعاصر مرحلة مهمة فى تطور
الحروب الصليبية إبّان سلطنة صلاح الدين الأيوبى، فكتابه إذن من
بين المصادر الأساسية فى تاريخ الحروب الصليبية، ويمكننا أن نقول
إن موسوعة الكامل فى التاريخ لابن الأثير تحتل بين مصادر التاريخ
الإسلامى مكانة لا يسبقها إلا موسوعة تاريخ الطبرى، ولابن الأثير
مؤلفات أخرى فى غاية الأهمية لعل أبرزها «أسد الغابة فى معرفة
الصحابة»، وهو موسوعة من سبعة مجلدات يتناول فيها تراجم صحابة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ونستطيع أن نمضى طويلاً فى تناولنا لمختلف جوانب النهضة
الثقافية فى دولة الخلافة العباسية فى عصرها الثانى، وهى جوانب
لايتسع المجال للحديث التفصيلى عنها هنا، ولكننا نكتفى بالقول
بأن هذه النهضة الثقافية غطت كل مظاهر المعرفة والفن التى عُرفت
فى ذلك الزمان، فقد شهدت دولة الخلافة العباسية وثبة رائعة فى