«المعز»، وتوغلوا فى البلاد لنشر المذهب الشيعى، فمال الكثيرون
إلى مذهبهم، وبعث «المعز» رسله إلى «كافور» مُرهِّبة مرة ومُرغِّبة
أخرى للتأثير عليه، وكان استقرار بلاد المغرب ورسوخ أقدام
الفاطميين فيه، وتنظيمهم الدقيق للأمن والإدارة، وحسن إعدادهم
للجيوش والقادة سبب نجاح حملتهم الرابعة على «مصر».
سار «جوهر الصقلِّى» قائد جيوش «المعز» إلى «مصر» فى ربيع
الأول سنة (٣٥٨هـ)، بعد أن خرج «المعز» لوداعه، وأمر أهله بالترجل
أمام قائده وهو راكب، كما أمر واليه على «طرابلس» أن يسير فى
ركاب «جوهر» ويقبِّل يده، فكبر ذلك على والى «طرابلس»، وأراد
أن يعفى نفسه من ذلك مقابل مائة ألف دينار ذهبًا يعطيها لجوهر،
ولكن «جوهر» رفض هذه الأموال ومضى بجيشه الذى كان يضم مائة
ألف جندى حاملا معه أموالا طائلة قيل إنها بلغت ألفًا ومائتى
صندوق حملها على ظهور الجمال، وحين خرج «المعز» لوداع
«جوهر» والجيش بمنطقة «رقادة» قال لمن كانوا معه: «والله لو خرج
جوهر وحده لفتح مصر». فكان لهذه العبارة أثرها الكبير فى نفس
«جوهر»، وكانت له حافزًا على تحقيق ما خرج من أجله.
وصل «جوهر» إلى «مصر»، وحط رحاله بالإسكندرية التى فتحت
أبوابها من غير مقاومة، فعامل «جوهر» أهلها بالحسنى ووسَّع لهم
فى أرزاقهم، فكان لذلك أثره الطيب فى نفوس الأهالى، كما كان
للنظام الذى ظهر به الجيش، وطاعته لقائده أثره الكبير فى نفوسهم،
فرحبوا بالقائد الجديد.
بلغ أهل «الفسطاط» نبأ استيلاء الفاطميين على «الإسكندرية»،
فندبوا الوزير «جعفر بن الفرات» للذهاب إلى «الإسكندرية» ومقابلة
«جوهر»، فأناب الوزير عنه «أبا جعفر مسلم بن عبدالله الحسينى»
أحد الأشراف العلويين وبرفقته وفد كبير من العلماء والقضاة
والأعيان، وتقابل الوفد مع «جوهر» فى «تروجة» - مكان بالقرب من
«الإسكندرية» - وهنأه الشريف العلوى بالفتح، فقال «جوهر»:
«التهنئة للشريف بما هنأ».