البحرى قوته، وعين قضاة من المذاهب الأربعة للفصل فى
الخصومات، بعد أن كان القضاء مقصورًا على المذهب الشافعى،
فعادت إلى العالم الإسلامى قوته على أسس تنظيمية دقيقة، إذ كان
«بيبرس» إداريا حازمًا، وقائدًا شجاعًا، فدأب على رعاية شئون
البلاد، وتنمية مواردها، وحفر الترع، وأصلح الحصون، وأسس
المعاهد، وبنى المساجد التى من أشهرها مسجده المعروف باسمه
فى ميدان «الظاهر» بالقاهرة.
وكانت لبيبرس هيبة كبيرة فى قلوب أمراء البلاد، فخشوا بأسه
لدرجة أن أحدهم لم يجرؤ على الدخول عليه فى مجلسه إلا بطلب
وإذن منه.
وقام «بيبرس» بدوره على خير وجه فى محاربة المغول والصليبيين
تقليدًا للقائد البطل «صلاح الدين»، وأصدر عدة قوانين لتطبيق
الشريعة الإسلامية، وإصلاح الأوضاع الاجتماعية فى «مصر»، وأمر
فى سنة (٦٦٤هـ) بمنع بيع الخمور، وإغلاق الحانات، ونفى
المفسدين.
وكان «بيبرس» قائدًا شجاعًا، ضُربَت ببطولته وشهامته الأمثال، فقد
خاض معارك ومواقع عديدة، سجل فيها بطولات رائعة، وأبلى بلاءً
حسنًا فى مطاردة الصليبيين وتشتيتهم وإجلائهم عن الشرق الأدنى،
واستعاد فى سنة (٦٦٦هـ) «قيسارية»، و «أرسوف»، و «صفد»،
و «شقيف»، و «يافا»، و «طرابلس»، و «أنطاكية»، فأضعف ذلك
الصليبيين، وأنهكهم، وزاد من قوة المسلمين، وحرص على أن يؤكد
صورة الحاكم العادل الذى يجلس بنفسه للمظالم، ويعطف على
الفقراء.
وفى (٢٧ من المحرم سنة ٦٧٦هـ = ١٢٧٧م) تُوفِّى «الظاهر بيبرس»
إثر عودته من واقعة «قيسارية» بالقرب من «دمشق»، وقد دُفن بها
بعد حياة حافلة بالبطولة والشجاعة، سطر خلالها صفحات مجيدة
مازال التاريخ يحفظها له وسيظل.
أولاد بيبرس فى السلطنة (بركة خان، وسلامش):
تولى «السعيد بركة خان» السلطنة عقب وفاة أبيه، وكان عمره
تسع عشرة سنة، وكانت تنقصه الحنكة السياسية التى كانت
متوافرة لأبيه، فنشبت الصراعات الحادة بين أمراء المماليك على