السلطنة، واضطربت الأوضاع وزادت القلاقل، ولم يتمكن «بركة خان»
من السيطرة على الموقف، أو النهوض بدوره؛ لقلة خبرته بمثل هذه
الأمور، ولذا لم يتمكن من الاستمرار طويلا على عرش السلطنة، وتولى
من بعده شقيقه «بدر الدين سلامش» فى سنة (٦٧٨هـ)، ثم عين
«سيف الدين قلاوون» «أتابكًا» له، وكان أحد أمراء «المماليك
البحرية» الأقوياء، فتحكَّم فى أمور السلطنة، وجعلها جميعها فى
يده، وذلك لضعف «بدرالدين سلامش» وقلة مهاراته السياسية
والحربية، ولذا لم يستمر «سلامش» أكثر من ثلاثة أشهر فى حكم
السلطنة خُلع بعدها من منصبه، وتولى «سيف الدين قلاوون» بدلا
منه، لتدخل البلاد فى عهده مرحلة جديدة تنهض فيها سياسيا وحربيا
وحضاريا.
السلطان قلاوون [٦٧٩ - ٦٨٩هـ = ١٢٨٠ - ١٢٩٠م]:
انتقل الملك بعد «سلامش» (ابن «الظاهر بيبرس») إلى أتابكه
«المنصور سيف الدين قلاوون»، الذى استمرت السلطنة فى بيته
وأسرته حتى انتهاء دولة المماليك البحرية فى سنة (٧٨٤هـ)، ولعل
التجارب السياسية التى مر بها وتعرض لها فى خدمة «بيبرس» ومن
قبله «قطز»، هى التى مهدت له السبيل لكى يكون أحد سلاطين
المماليك الأقوياء والبارزين، وسار على نهج «بيبرس» السياسى فى
إدارة شئون البلاد والتقرب من الشعب، واستقدم كثيرًا من المماليك
وأطلق عليهم اسم «البرجية» نسبة إلى أبراج القلعة التى أقاموا
فيها وجعلهم عونًا له، وأعدهم ليكونوا عونًا لأبنائه من بعده فى
تثبيت عروشهم.
ومضى على نهج «بيبرس» فى إخراج الصليبيين من بلاد الشام،
واستعاد «اللاذقية» و «طرابلس» من أيديهم فى سنة (٦٨٨هـ)، وتابع
التتار وطارد فلولهم وهزمهم وأبعد أذاهم نهائيا عن «مصر»
و «الشام».
ويُعدُّ «قلاوون» من أبرز سلاطين الدولة المملوكية العظماء، كما يُعد
أحد مؤسسى هذه الدولة، إذ أنفق أموالا طائلة على الإصلاحات
والإنشاءات، وأشرف على سير العمل فيها بنفسه فى حزم وعزم