رعيته، مهيبًا فى أمراء دولته، فكان المثل الأعلى لرجل السياسة
فى دولة المماليك، كما كان «بيبرس» المثل الأعلى للقائد الحربى،
وانطلقت بوفاته فى سنة (٧٤١هـ)، ألسنة الشعراء والأدباء لتأبينه
والثناء عليه، والإشادة بذكره، وقد أطراه المؤرخ «أبو المحاسن بن
تغرى بردى» بقوله: «إنه أطول الملوك فى الحكم زمانًا، وأعظمهم
مهابة، وأحسنهم سياسة، وأكثرهم دهاء، وأجودهم تدبيرًا،
وأقواهم بطشًا وشجاعة، مرت به التجارب، وقاسى الخطوب، وباشر
الحروب، وتقلب مع الدهر ألوانًا، ونشأ فى الملك والرياسة، وله فى
ذلك الفخر والسعادة، خليقًا بالملك والسلطنة؛ فهو سلطان ابن
سلطان، ووالد ثمانية سلاطين؛ فهو أجل ملوك المماليك وأعظمهم بلا
مدافع».
وكانت وفاة «الناصر محمد» فى (٢٠ من ذى الحجة سنة ٧٤١هـ).
أولاد الناصر محمد وأحفاده [٧٤١ - ٧٨٤هـ = ١٣٤١ - ١٣٨٢م]:
جلس على عرش «مصر» بعد «الناصر محمد» أولاده وأحفاده فى
الفترة من سنة (٧٤١هـ) إلى سنة (٧٨٤هـ)، يتعاقبون عليه واحداً بعد
الآخر حتى سقوط دولة المماليك البحرية عام (٧٨٤هـ)، وفى مدة بلغت
ثلاثًا وأربعين سنة علا عرش «مصر» من البيت الناصرى ثمانية أولاد
وأربعة أحفاد، بلغ متوسط حكم الواحد منهم ثلاث سنوات ونصف
السنة، وتميز هذا العهد بصغر سن السلطان، وقصر مدة حكمه،
لسهولة خلعه على أيدى الأمراء، ولظهور نفوذ الأتابكة ظهورًا
واضحًا، وكذلك اشتداد تنافس الأمراء فى بسط نفوذهم للسيطرة على
الدولة، ولذا أصبح السلطان ألعوبة فى أيدى أمرائه، يعزلونه أو
يبقونه على العرش حسب هواهم، وما تقتضيه مصالحهم؛ فاضطربت
أحوال البلاد، وكثرت فيها الفتن.
بعد وفاة «الناصر محمد» تولى العرش ابنه «سيف الدين أبو بكر»
(٧٤١ - ٧٤٢هـ)، وسرعان ما ساءت العلاقات بينه وبين أتابكه،
لامتناعه عن الاستجابة لمطالب هذا الأتابك، فحرض الأتابك عليه
الأمراء وعزلوه. وتولى من بعده أخوه «علاء الدين كجك» (٧٤٢هـ=