البحرية على الإطلاق، ففيها توطدت دعائم البلاد، واستقرت أساليب
الحكم والإدارة فيها، وازدهرت الفنون والعلوم، وباتت «القاهرة»
حاضرة لإمبراطورية شاسعة تشمل «مصر» والشام والجزيرة العربية،
وكذلك بلاد «اليمن» التى بسط «الناصر محمد» نفوذه عليها، فخطب
وده ملوك «أوربا» و «آسيا»، وأبرموا معه المعاهدات وصاهروه،
وأرسلوا إليه بالهدايا الثمينة والتحف النادرة؛ أملا فى رضاه.
لم يقتصر نشاط «الناصر محمد» على الحروب والغزوات على الرغم من
أنه نجح فى طرد فلول الصليبيين، وصد ثلاث غزوات مغولية، بل اتجه
إلى الأخذ بكل مقومات الحضارة فى عصره، وصبغها - لتدينه الشديد-
بصبغة دينية ظهرت واضحة على العمائر التى شيدها، والتى مازال
بعضها قائمًا - حتى الآن - شاهد صدق على بره وتقواه، وذوقه
الراقى فى الفنون والعمارة، ولعل أشهرها: «المدرسة الناصرية»
التى شيدها بشارع «المعز لدين الله الفاطمى»، وكذا المسجد الذى
بناه بالقلعة سنة (٧١٨هـ)، ثم هدمه وأعاد بناءه سنة (٧٣٥هـ)
لتوسعته وزخرفة جوانبه، كما شرع فى سنة (٧٠٣هـ) أثناء سلطنته
الثانية فى تجديد «المارستان» الكبير الذى أسسه والده السلطان
«قلاوون» سنة (٦٨٨هـ)، وكذلك بنى سبيلا، وقبة، ومكتبة عظيمة،
وأنشأ «خانقاه» فى «سرياقوس» لإقامة فقراء الصوفية خاصة
القادمين منهم من البلاد الشرقية.
وقد أرخ «ابن إياس» لحكم «الناصر محمد»، وعبر عنه بقوله: «ولا
يُعلَم لأحد من الملوك آثار مثله ولا مثل مماليكه، حتى قيل لقد تزايدت
فى أيامه الديار المصرية والبلاد الشامية من العمائر مقدار النصف من
جوامع وخوانق وقناطر، وغير ذلك من العمائر».
ولاشك أن هذه المنشآت كانت تعتمد على اقتصاد قوى، ورؤية
حضارية من «الناصر محمد»، الذى وضع أسس السياسة العامة لدولة
المماليك، وعُدَّ المنفذ الأكبر لها، فكان شديد البأس، سديد الرأى،
يتولى أمور دولته بنفسه، مطَّلعًا على أحوال مملكته، محبوبًا من