لم يطاوعوه، فاعتذر للنبى عن عدم قبول الإسلام بسبب رفضهم، فى
حين لا تشير مطلقًا إلى ذلك غالبية المصادر الإسلامية، كما أن تطور
العلاقات بين المسلمين والروم فى أواخر حياة النبى - صلى الله عليه
وسلم - وفى عهد خلفائه الراشدين يجعلنا نميل إلى أنه لم يرد؛ لأن
«هرقل» عندما وصلته رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - كان عائدًا
لتوه من حربه مع الفرس، وقد انتصر عليهم انتصارًا ساحقًا، ويبدو أنه
كان معتدا بنفسه اعتدادا كبيرًا، مزهوا بما حققه من فوز رد به اعتبار
دولته أمام الفرس، فخورًا بإعادة الصليب الأكبر الذى أخذه الفرس
إلى بلادهم أثناء غزوهم لفلسطين قبل سنوات، فلما جاءت رسالة
النبى - صلى الله عليه وسلم - إليه وهو فى هذه الحالة النفسية
المزهوة لم يحفل بها ولم يقدر أمرها التقدير الصحيح.
ويؤكد ذلك الرأى أن تطور العلاقات بين المسلمين والروم تصاعد إلى
الصدام المسلح، فاعتدى الروم على المسلمين فى غزوة مؤتة سنة
(٨هـ)، ثم حاولوا الاعتداء مرة أخرى سنة (٩هـ) مما جعل النبى - صلى
الله عليه وسلم - يخرج إليهم فى غزوة «تبوك»، ثم دارت رحى الحرب
بين المسلمين والروم؛ لأنهم تدخلوا فى حركة الردة، وحرضوا القبائل
عليها وساعدوها، ونجح المسلمون فى فتح «الشام» و «مصر»
وطردوا الروم منها إلى الأبد، ومن ثم لا يستطيع أحد أن يلوم
المسلمين؛ لأنهم حملوا السلاح دفاعًا عن أنفسهم ضد عدوان الروم
المتكرر.
أما علاقة المسلمين بالإمبراطورية الفارسية، وهى يومئذٍ الدولة
الكبرى الثانية فى العالم، فلم تكن بأحسن حال من علاقة المسلمين
بالروم، بل كان «كسرى أَبْرَوِيز الثانى» ملك «فارس» أكثر غرورًا
وغطرسة من «هرقل»، فلم تكد تصل إليه رسالة النبى - صلى الله
عليه وسلم - حتى استشاط غضبًا وقام بتمزيقها، مع أنها رسالة
سلمية للإسلام لا تخرج فى مضمونها عن رسالة النبى إلى «هرقل»،
فدعا عليه النبى - صلى الله عليه وسلم - قائلا: «مزق الله ملكه»، ولم