النهضة فى مجال العلوم والآداب:
لاشك أن المؤسسات العلمية التى أنشأها المماليك نهضت بمستوى
العلم وتقدمه فى عهدهم، وأبرزت نخبة من ألمع العلماء فى مختلف
مجالات الثقافة والعلوم، فكان منهم الفقهاء: شيخ الحنابلة «أحمد بن
تيمية»، ومن المؤرخين: «أبو الفدا» صاحب «التاريخ والسير»،
و «المقريزى المصرى» صاحب «الخطط» و «السلوك»، و «ابن خلكان»
صاحب «وفيات الأعيان»، كما كان من كُتَّاب السير الطبيب الشهير
«ابن أبى أصيبعة»، الذى درس بدمشق و «القاهرة»، ثم وضع تراجم
للأطباء فى مؤلفه: «عيون الأنباء»، وكذلك كان «ابن إياس» صاحب
«بدائع الزهور»، و «القلقشندى» صاحب «صبح الأعشى»، ومن
الشاميين نجد المؤرخ «شمس الدين الدمشقى» صاحب «نخبة الدهر
فى عجائب البر والبحر»، و «ابن فضل الله العمرى»، الذى شغل
منصب «صاحب الخاتم» فى بلاط المماليك بالقاهرة، وهو صاحب
كتاب: «مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار»، ولقد عاش «عبدالرحمن
الجبرتى» أشهر علماء التاريخ فى بلاط المماليك، ويعد «ابن خلدون»
واضع علم الاجتماع ومؤسس فلسفة التاريخ، وهو صاحب كتاب:
«العبر وديوان المبتدأ والخبر»، وقد وضع فى مقدمته لهذا الكتاب
أسس كتابة التاريخ التى اشتهرت شهرة واسعة النطاق فى أنحاء
العالم.
وهكذا برزت -خلال عهد المماليك - جماعة من أفضل علماء المسلمين
فى التاريخ الإسلامى، وشجعهم على ذلك اهتمام سلاطين المماليك
بالعلم والعلماء.
وإن نظرة واحدة فى حُجة أحد سلاطين هذه الدولة لتظهر لنا مدى ما
وصل إليه هؤلاء من حب وتقدير للعلم والعلماء والمتعلمين، وقد حرص
«الأشرف برسباى» فى حُجته على تعيين المشايخ لمدرسته، وقام
بوقف الأراضى لكى يُنفق من إيرادها على التعليم، وكذلك على
المتعلمين الذين أنفق عليهم بسخاء، فخرج منهم العلماء والفقهاء
والأئمة فى مختلف المجالات والتخصصات والمذاهب، وأصبح هذا
العمل مفخرة لهذا العصر، وسببًا من أهم أسباب تقدم المسلمين