للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انطلق «حسان» بقواته لملاقاة الكاهنة، ودارت بينهما معركة عنيفة؛

أسفرت عن مقتل أعداد كثيرة من أتباع الكاهنة، ثم مقتل الكاهنة

نفسها عند بئر، عرف فيما بعد باسم: «بئر الكاهنة».

وهكذا استطاع «حسان» أن يقضى على مقاومة البربر مثلما قضى

من قبل على جحافل الروم، وعمد إلى تثبيت أقدام المسلمين فى

«إفريقية» و «المغرب الأوسط»، وقام ببعض الأعمال المهمة، التى من

شأنها تثبيت عملية الفتح فى المنطقة، فعمَّر مدينة «ترشيش»، وهى

تبعد نحو (١٢) ميلا عن شرقى «قرطاجنة»، لتكون ميناء عربيا

إسلاميا، بدلا من «قرطاجنة» البيزنطية التى تم هدمها فى المعارك،

ثم أنشأ بها دارًا لصناعة السفن، ليكفل حماية شواطئ المغرب

الإسلامية من تطلعات البيزنطيين وغاراتهم، واتبع «حسان» سياسة

جديدة فى إدارة شئون هذه البلاد، ووضع الأسس التى تجعل من

«المغرب» ولاية عربية؛ تعتمد على مواردها، دون الاعتماد على

غيرها فى شىء، ومن هذه الأسس:

أولاً: أنشأ إدارة حكومية، واعتبر أرض المغرب مفتوحة صلحًا لا عنوة

مع الذين أسلموا من أهلها، ومعنى ذلك أن يؤدوا عنها ضريبة

العشر، أما الأراضى التى كانت ملكًا للبيزنطيين ومَن قاوم الفتح من

الأفارقة وغيرهم، فقد اعتبرها «حسان» مفتوحة عنوة، ولذا اعتبرها

من أملاك المسلمين، واعتبر مَن وجدهم عليها موالى لهم، فكان لهذه

الناحية الاقتصادية المهمة أثر بالغ فى نفوس البربر.

ثانيًا: عمد إلى إشراك البربر بجيشه، ورغبهم بالغنائم، وعاملهم

معاملة الجند العرب فى الحقوق والواجبات، وأدى ذلك إلى مزيد من

الاحتكاك بين المسلمين والبربر، مما دفع الكثيرين منهم إلى الدخول

فى الإسلام.

ثالثًا: وزع مسئولية الحكم على القبائل المختلفة، واختص كل قبيلة

بناحية معينة تمشيا مع طبيعة البلاد.

ولهذه السياسة التى رسمها «حسَّان بن النعمان» وأرسى قواعدها

أعظم الأثر فى نفسية البربر، وفى علاقتهم بالعرب الفاتحين،

<<  <  ج: ص:  >  >>