صَوْتَى «المعتزلة» و «المرجئة» كانا خافتين، ولم يجدا صدىً يُذكر
لأفكارهما ودعوتيهما.
وتجدر الإشارة إلى أن المذهب المالكى قد لعب دورًا كبيرًا فى حياة
سكان «بلاد المغرب» السياسية والحضارية منذ القرن الثانى الهجرى
حتى وقتنا الحاضر، وصار الإمام مالك هو القدوة والمثل الأعلى
لأفعال وتصرفات المالكيين بالمغرب، وقلدوه فى معاشه وملبسه
وكيفية جلوسه للتدريس، وطريقته فى الحديث، كما تبوأ تلامذته
مكانة مرموقة بالمغرب.
ولم تقف الاختلافات المذهبية بالمغرب فى سبيل علاقاتها واتصالاتها
الفكرية بالعواصم والمدن الإسلامية بالمشرق، بل كانت اتصالاتها
مستمرة، وعلاقاتها وثيقة، وظهرت آثار احتكاك طلابها بعلماء
المشرق واضحة فى الحياة الدينية التى عاشتها المنطقة خلال القرن
الثالث الهجرى، وتوجَّه أبناء «تهيرت» و «فاس» و «سجلماسة» إلى
مدينة «القيروان»؛ لتحصيل العلم على أيدى علمائها، كما أَمَّ أبناء
«القيروان» مدن «تونس» و «سوسة» وغيرهما، لطلب العلم هناك،
ونهل جميعهم من معين الإسلام الذى لا ينضب، ودرسوا الفقه والأصول
والحديث والتفسير، وغيرها من العلوم.
وكان لكل من «القيروان» و «تهيرت» أثر سياسى وثقافى بارز فى
بلاد المغرب، وشهدتا ازدهارًا فكريا، ونهضة حضارية، واقتصادًا
قويا، وزخرًا بالفقهاء والعلماء، وأصبحتا مقصد طلاب العلم من كل
مكان، حتى نافستا العواصم الشرقية الكبيرة بالسماحة، وسعة
الأفق، ومناظرات العلماء. وقد شاركت مدينة «فاس» فى هذا الدور
بنهضتها الفكرية وازدهارها الحضارى، وأسهمت كذلك فى نشر
الإسلام والثقافة العربية.