شن «ابن تومرت» حربًا شعواء على العلماء والفقهاء واتهمهم
بالجمود، ولكنه لم يستطع مهاجمة المذهب المالكى الذى رسخ فى
أذهان عامة الشعب وقلوبهم، وتحايل على ذلك بإعداد مُؤَلَّف جمع
فيه الأحاديث النبوية التى وردت بموطأ الإمام «مالك»، وحذف منها
معظم الإسناد للاختصار، فى محاولة لصرف أذهان الناس عن المؤلفات
المالكية، ثم جاء «عبدالمؤمن» من بعده وأمر بحرق كتب الفروع،
والاقتصار على الأحاديث النبوية. فلما تولى «المنصور الموحدى»
عمد إلى محو المذهب المالكى من البلاد، وجمع كتب المذهب المالكى
وحرقها، وأمر بجمع الأحاديث المتعلقة بالعبادات من كتب الأحاديث
مثل: «البخارى» و «مسلم» وغيرهما، وألزم الناس بدراستها وحفظها،
وعاقب علماء المذهب المالكى المتمسكين بتدريسه، وعلل ذلك بميله
إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة والأخذ بظاهرهما، وكراهيته
للخلافات التى امتلأت بها كتب الفروع، ولكن علماء المالكية لم يؤثر
فيهم التهديد والعقاب، وظلوا يكافحون فى سبيل بقاء مذهبهم
وتدريسه، فسُجن بعضهم مثل «ابن سعيد الأنصارى»، وتُوفى
بعضهم نتيجة التعذيب مثل: «أبى بكر الجيانى المالكى»، ومع ذلك
نجح هؤلاء العلماء فى إبقاء هذا المذهب وظل مذهب المالكية راسخًا
ببلاد المغرب.
العلوم الدينية:
ازدهرت العلوم الدينية بدولة الموحدين، وزاد الإقبال على تفسير
القرآن ودراسته باعتباره مصدر التشريع الأول للبلاد، وبرز عدد من
المفسرين منهم: «عبدالجليل بن موسى الأنصارى الأوسى» المتوفى
عام (٦٠٨هـ= ١٢١١م)، و «أبو بكر بن الجوزى السبتى»، كما لاقى
علم القراءات رعاية ولاة الأمر، واشتهر فيه: «أبو بكر بن يحيى بن
محمد بن خلف الإشبيلى» المتوفى عام (٦٠٢هـ= ١٢٠٥م)، و «على بن
محمد بن يوسف اليابرى الضرير» المتوفى عام (٦١٧هـ= ١٢٢٠م).
أما علم الحديث فقد صار له شأن كبير واهتم به الخلفاء، وأمر الخليفة
«عبدالمؤمن» بحرق كتب الفروع، وردّ الناس إلى قراءة الحديث،