بتوليته، وحمله بعض ثقاة التجار إلى مكة، وكان المنصور يحج،
وألقى هذا أمام سرادقه، فلما حمل إليه قال: «مافى هذا الشيطان
مطمح، فالحمد لله الذى جعل بيننا وبينه البحر».
ولم يكن على عبدالرحمن أن يواجه مشاكل الجنوب فقط بل شمالى
الأندلس أيضًا، فقد ثار عليه «سليمان بن يقظان» والى «برشلونة»
و «الحسين بن يحيى» والى «سرقسطة»؛ مستغلين طبيعة بلادهم
الجبلية وانشغال عبدالرحمن بحركات الثائرين فى الجنوب، ثم
استفحل خطرهم بعد انتصارهما على جيش أرسله عبدالرحمن.
ولم يكتفِ الثائران بذلك بل قدما على رأس وفد إلى «شارلمان
الأكبر» إمبراطور الدولة الفرنجية، وكان فى ولاية «سكونيا» شمالى
ألمانيا حاليا، واقترحا عليه غزو الولايات الأندلسية الشمالية، وتعهدا
بمعاونته ضد عبدالرحمن، وأن يعمل جميعهم على خلعه، وتسليم
البلاد إلى شارلمان والخضوع له.
وقد رحب شارلمان بهذا العرض واجتاز جبال البرت، والتقى بحلفائه
على نهر الإيرو عند سرقسطة، لكن حاكم سرقسطة عدل عن موقفه
فى آخر لحظة، ورفض تسليم مدينته لشارلمان، وحصّنها فتمكنت من
رد هجماته عليها، وكذلك فعل والى برشلونة، واضطر «شارلمان»
أن يرتد إلى بلاده بسبب ثورات قامت عليه سنة (١٦١هـ = ٧٧٨م)،
وهكذا شاءت العناية الإلهية أن يبوء عاهل الفرنج بالفشل بعد أن
اختلف معه هؤلاء الخارجون على عبدالرحمن، وانقلبوا إلى مقاومته.
وفى الوقت الذى كانت تجرى فيه هذه الحوادث فى الشمال، كان
عبدالرحمن فى الجنوب يحارب الثائرين عليه، فقضى على ثورة
مؤيدة للعباسيين فى «مرسية»، وقمع ثورات أخرى فى غرناطة
وطليطلة والجزيرة الخضراء، ثم توجه إلى سرقسطة فى جيش ضخم
وعقد صلحًا مع الثائرين بها، ثم عاد إليها مرة أخرى فحاصرها
وضربها بالمنجنيق، ثم اتجه إلى الشمال الشرقى واخترق بلاد
البشكنس، ففرض عليها الجزية، ثم عاد مظفرًا إلى قرطبة سنة
(١٦٧هـ = ٧٨٣م) وبعدها عقد صداقة مع شارلمان استمرت بقية