نظام حكومة عبدالرحمن:
لم يكن هناك نظام لولاية العهد، وكان اختيار ولى العهد يترك للأمير،
وأنشأ عبدالرحمن منصب الحجابة، وأحاط نفسه بمجموعة من الأعوان
يساعدونه فى القيام بمهام الحكم بدلا من الوزراء، وقد اختارهم فى
أول الأمر من بين أعوانه الذين استقبلوه وقاتلوا معه، فكانت
حكومته عربية شكلا وروحًا، ثم مال إلى البربر والموالى بعد أن
استراب فى العرب وشك فى ولائهم له، لثوراتهم المتعددة عليه.
وقد منح الجيش عناية خاصة، فجنَّد مائة ألف عدا حرسه البالغ
أربعين ألفًا من العرب والموالى والرقيق، كما عنى بالبحرية فى
أخريات حياته، وأنشأ عدة قواعد لبناء السفن.
عناية الداخل بالإنشاء والتعمير:
عنى «عبدالرحمن الداخل» عناية فائقة بالإنشاء والتعمير فى قرطبة
على الرغم من كثرة مشاغله، فحصَّن العاصمة وزينها بالحدائق،
وأنشأ منية الرصافة وقصرها العظيم فى الشمال الغربى على بعد
(٤) كم من قرطبة، وقد أحاطها بالحدائق الزاهرة، وأطلق عليها
الرصافة، تخليدًا لذكرى الرصافة التى أنشأها جده «هشام بن
عبدالملك» بالشام، وكان هذا القصر يطل من ناحية الجنوب على
الحقول التى تفصله عن قرطبة، ويطل من الشمال على أرض واسعة
تسمى «فحص السرادق»، وقد اتخذ عبدالرحمن من ميدانها الفسيح
منازل لجنده وقواده، ومكانًا يتدرب فيه الجنود بصورة مستمرة
ومنتظمة.
كما بدأ عبدالرحمن سنة (١٥٠هـ= ٧٦٧م) فى إنشاء سور قرطبة الكبير
الذى استمر العمل فيه أعوامًا، كما أنشأ مساجد محلية كثيرة فى
قرطبة وغيرها، وعلى رأسها المسجد الأموى الجامع الذى بدأ فى
إنشائه سنة (١٧٠هـ = ٧٨٦م)، وجلب إليه الأعمدة الفخمة، والرخام
المنقوش بالذهب واللازورد؛ وبلغ ما أنفقه عليه ١٠٠ ألف دينار، ثم
زاد خلفاؤه من بعده فى هذا العمل، حتى أصبح أعظم مساجد
الأندلس.
ويقع هذا المسجد فى الجهة المقابلة لقصر الإمارة، وبينهما مساحة
واسعة استغلها عبدالرحمن فى إنشاء قصر خاص لنفسه، وعدد من