القصور الصغيرة لآل بيته، أحاطها بالحدائق الغناء، وبسور يدور
حولها، وقد امتدت هذه القصور حتى وصلت إلى ضفة نهر الوادى
الكبير، فبنى عبدالرحمن قصور الإدارة ناحية النهر، وفتح بابًا فى
الشارع بين النهر والسور سمى «باب السدة»، فتح للجمهور،
ويفضى إلى المكاتب الحكومية، وإلى جانب باب السدة خُصِّصت
مواقع الكتَّاب الذين يعاونون الناس فى كتابة شكاواهم وطلباتهم،
والذين يشبهون من نسميهم اليوم بالكتاب العمومين.
ومن منشآت عبدالرحمن التى بناها فى قرطبة، «دار السكة» لضرب
النقود على النحو الذى كانت تضرب عليه نقود بنى أمية فى المشرق
من حيث الوزن والنقش.
هشام الأول بن عبدالرحمن المعروف بالرضى [١٧٢ - ١٨٠هـ = ٧٨٨ -
٧٩٦م]
خلف «هشام» أباه «عبدالرحمن» على حكم الأندلس، الذى اختاره لا
لأنه أكبر أبنائه، بل لما توسَّمه فيه من المزايا الخاصة، وقد أبدى
«هشام» لينًا وورعًا، وحسن سياسة، وبصرًا بالأمور، فجذب الناس
إليه بإقامته للحق وتحريه للعدل، ومعاقبته للولاة المقصرين.
ولم يعكر صفو أيام «هشام» إلا اشتعال بعض الثورات، منها: الثورة
التى قام بها أخواه «سليمان» و «عبدالملك»، وانتهت بالصلح سنة
(١٧٤هـ = ٧٩٠م) على أن يقيما بعدوة المغرب، كما قاد حملة على
نصارى الشمال الذين أغاروا على البلاد، فنجح فى القضاء عليهم
سنة (١٧٥هـ = ٧٩١م) ثم تكررت حملاته عليهم، حتى قضى على
محاولاتهم التي استهدفت التوسع جنوبًا.
وأهم ما يتميز به عهد «هشام» ذيوع مذهب الإمام «مالك بن أنس»،
وحلوله محل مذهب الأوزاعى إمام أهل الشام الذى اتبعه الأندلسيون،
وكان الإمام مالك معاصرًا لهشام بن عبدالرحمن، كثير الثناء عليه،
وقد وفد بعض الأندلسيين إلى المشرق وتتلمذوا على الإمام مالك،
أمثال: الغازى بن قيس، وزياد بن عبدالرحمن المعروف بشيطون،
وغيرهما، فلما عادوا إلى الأندلس رحَّب بهم هشام، وسمح لهم
بتدريس مذهب «مالك»، وأخذ القضاة يصدرون أحكامهم بناءً عليه،