للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودام الحصار ثلاثة وأربعين يومًا بعدها مرض «المنذر»، وطلب من

أخيه «عبدالله» أن يحضر؛ لينوب عنه فى متابعة الحصار، ثم مات

تحت أسوار «ببشتر» بعد حكم لم يستمر أكثر من عامين وكان موته

فى (صفر ٢٧٥هـ = يونيو ٨٨٨م)، وتم رفع الحصار، وعاد الجيش إلى

«قرطبة»، ومرة أخرى يتنفس «ابن حفصون» الصعداء.

الأمير عبدالله بن محمد [٢٧٥ - ٣٠٠هـ = ٨٨٨ - ٩١٢م].

ما كاد الأمير «عبدالله» يتولَّى الحكم حتى قامت الثورات ضده فى

المناطق الجبلية، بل تجاوزت ذلك إلى المدن والقواعد الكبرى، ولم

تعد تقتصر على القادة من المولدين بل تجاوزتهم إلى العرب أنفسهم،

وبرز العنصر البربرى واعتصم كثير من زعمائه فى الحصون النائية،

وتنوعت المعارك وتعددت بين العرب والمولدين وبين العرب والبربر،

وبين العرب أنفسهم بعضهم ضد بعض، وأعلن بعض زعماء العرب

استقلالهم فى «جيان» «البيرة» و «لورقة» و «مدينة سالم»، وغيرها.

واستقل زعماء البربر فى «الثغر الأعلى» و «بطليوس» و «مرسية»

وبعض مناطق «جيان» وغيرها، وأضحت «إشبيلية» مسرحًا لقتال

مرير بين العرب والبربر، ونشر «ابن حفصون» سلطانه فى أغلب

النواحى الجنوبية القريبة، ولم يبق لحكومة «قرطبة» إلا العاصمة

وضواحيها تمارس فيها سلطاتها وتخضع لسيطرتها.

وكان على الأمير «عبدالله» أن يواجه ذلك كله، ورأى أن أخطر ما

يواجهه هو ثورة «ابن حفصون»، وفى الوقت نفسه رأى «ابن

حفصون» أنه فى حاجة إلى فترة هدنة وسلام يستغلها فى

الاستعداد وتنظيم أموره، لذلك بعث يطلب الصلح مع الأمير، على أن

يستقر فى «ببشتر»، ويكون تابعًا للإمارة الأموية، فوافقه عبدالله

وأكرم رسله، وبعث أميرًا من عنده يشاركه فى حكم الإقليم، ولكن

لم تمض شهور حتى نكث بعهده، وطرد الأمير المشارك، وعاد يفسد

ويخرِّب ويغير على البلاد المجاورة.

سار الأمير بنفسه عام (٢٧٦هـ= ٨٨٩م) ووصل إلى منطقة «ببشتر»،

واجتاحها إفسادًا وتدميرًا، لكنه لم يصل إلى نتيجة وبقى اضطرام

<<  <  ج: ص:  >  >>