للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما لم يجرؤ عليه أحد لا المنصور ولا عبدالملك، حين نجح بعد محاولات

فى استصدار مرسوم من الخليفة بتعيينه وليا للعهد من بعده، لتنتقل

رسوم الخلافة من أسرة بنى أمية إلى أسرة بنى عامر، وأقر فقهاء

قرطبة وعلماؤها هذا التحول وزكاه الوزراء والقضاة والقادة، وكان

ذلك فى ربيع الأول سنة (٣٩٩هـ= ١٠٠٨م)، ومضى «عبدالرحمن» أبعد

من ذلك حين عين ابنه الطفل فى خطة الحجابة ولقبه سيف الدولة، ثم

اتخذ قرارًا جلب عليه كثيرًا من السخط حين طلب من أكابر الموظفين

ورجال الدولة خلع القلانس الطويلة التى يتميزون بها لأنها لبس

الأندلسيين، وتغطية الرأس بالعمائم التى هى لباس البربر فأذعن

هؤلاء كارهين.

فكر عبدالرحمن أن يشغل الناس بالغزو، فقرر أن يتوجه إلى جليقية

رغم تحذيره من سوء الأحوال الجوية، ومن انقلاب قد يقوم به

المروانية ضده، لكنه صمم وسار بالجيش نحو طليطلة، ومنها إلى

جليقية وسط أمطار وبرد شديدين وكان يمارس هوايته فى اللهو

والشراب، وقد اخترق مملكة ليون قبل أن يصل إلى جليقية، فتحصن

الأعداء برءوس الجبال، ولم يجد عبدالرحمن سبيلا إلى مقاتلتهم بسبب

كثرة الثلوج وفيضان الأنهار، فاضطر إلى أن يعود دون أن يفعل

شيئًا.

وعند وصوله إلى طليطلة جاءته الأنباء تفيد أن انقلابًا قد حدث فى

قرطبة وأن الثوار استولوا على مدينة الزاهرة فاضطربت صفوفهم،

واضطر عبدالرحمن إلى أن يعود عن طريق قلعة رباح، ولم يلتفت إلى

نصح من طلب منه البقاء فى طليطلة، لاعتقاده أن الناس سترحب به

إذا رأوه يقترب من قرطبة.

وكان السبب الرئيسى للثورة هو استبداد بنى عامر وقهرهم للناس

استنادًا إلى قوة قوامها البربر والصقالبة، ثم كانت ولاية عبدالرحمن

للعهد واستئثاره برسوم الخلافة والحكم هى الشرارة التى انتقلت

منها نيران الثورة إلى كل العناصر الناقمة، وعلى رأسهم بنو أمية،

وكان المخطط للثورة والمتابع لمراحل تنفيذها «الزلفاء» والدة

<<  <  ج: ص:  >  >>