لا ترضى به بديلا ولو لحقها لأجل تمسكها به ما لحقها من خصومه من بلاء وهوان.
هذا الإسلام الوراثي حفظ على الأمم الضعيفة المتمسكة به- وخصوصا العربية منها- شخصيتها ولغتها وشيئا كثيراً من الأخلاق ترجع به الأمم الإسلامية إذا وزنت بغيرها. ومن ذلك خلق العفة والطهر الذي حفظ نسلها فتراه يتزايد بينما تشكو أمم أخرى غير إسلامية من نقصان نسلها. فالشعب الجزائري يزداد في العام اثنين وثلاثين ومائة ألف والشعب التونسي يزداد في العام خمسين ألفا بينما بعض الشعوب غير الإسلامية يقف عن الازدياد ويخاف النقصان رغم ما عند هذا من العناية وما عند أولئك من الإهمال.
لكن هذا الإسلام الوراثي لا يمكن أن ينهض بالأمم، لأن الأمم لا تنهض إلا بعد تنبه أفكارها وتقنح أنظارها. والإسلام الوراثي مبني على الجمود والتقليد فلا فكر فيه ولا نظر.
أما الإسلام الذاتي فهو إسلام من يفهم قواعد الإسلام ويدرك محاسن الإسلام في عقائده وأخلاقه وآدابه وأحكامه وأعماله، ويتفقه- حسب طاقته- في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ويبني ذلك كله على الفكر والنظر فيفرق بين ما هو من الإسلام بحسنه وبرهانه، وما ليس منه بقبحه وبطلانه فحياته حياة فكر وإيمان وعمل، ومحبته للإسلام محبة عقلية قلبية بحكم العقل والبرهان كما هي بمقتضى الشعور والوجدان.
هذا الإسلام الذاتي هو الذي أمرنا الله به في مثل قوله تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}، فبالتفكر في آيات الله السمعية وآيته الكونية وبناء الأقوال والأعمال والأحكام على الفكر، تنهض الأمم