للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمال منها، وذلك لثقتهم بموعود الله في الرزق وغروب أنفسهم عن التعلق بغضارة الدنيا. وقد كان أشياخي من ارتقى إلى هذه المنزلة فما ادَّخر قط شيئاً لغد ولا نظر بمؤخر عينه إلى أحد، ولا ربط على الدنيا بيد.

فههنا ثلاثة أصناف من الخلق الأعم الأكثر، وهم أهل الحظوظ البشرية، والقليل وهم الذين ضعفت فيهم حظوظهم، والأقل الأندر وهم الذي زالت منهم تلك الحظوط. وقد أفادتنا السنة العملية المتقدمة في كلام الإمام ابن العربي أن لأهل الصنف الثاني أن يخرجوا عن كثير من أموالهم على مقدار ما بقي من حظوظهم، وأن لأهل الصنف الثالث أن يخرجوا منها كلها، وأما أهل الصنف الأول فلا يخرجون من الوسط الذي ينته الآية.

وقد جاءت الآية الكريمة على مقتضى حال الأعم الأكثر لأنها قاعدة عامة في سياسة الإنفاق، وشأن القواعد العامة أن يعتبر فيها جانب الأعم الغالب ولا يلتفت للنادر. وقد وكل للنبي صلىَّ الله عليه وآله وسلم بيانه، فجاء مبيناً فيما تقدم من سنته. وتقررت القاعدة واستثناؤها من الكتاب والسنة وهما مصدر التشريع.

تَفَاوُتِ الْأَرْزَاقِ مِنْ حِكْمَةِ الْخَلَّاقِ:

{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (١)

لما أرشدنا تعالى إلى السلوك الأقوم في العمل في باب الإنفاق أرشدنا إلى العقد الصحيح في مسألة تفاوت الأرزاق وفي ذلك تمام الهداية إلى الإستقامة في الظاهر والباطن.


(١) ١٧/ ٣٠ الإسراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>