الأولى: كل قوم تربط بينهم المصالح لا بد لهم من التعاون، ولا يتم التعاون إلا بالتفاهم والتفاهم بالمشافهة والكتابة، فعلى القوم المترابطين بالمصلحة أن يفهموا بعضهم لغة بعض وخطه، وبقدر ما تكثر الأقوام المترابطة بالمصلحة تكثر اللغات والخطوط ويلزم تعلمها، لأن العلة هي الحاجة. وسواء كانت المصلحة التي تربط الأقوام عمرانية أو علمية لأن المصلحة من حيث هي مصلحة محتاج إلى تحصيلها، والنبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أمر زيداً بتعلم الكتابة، لأن اللغة كانت عربية ولو كانت لغة أخرى لأمره بتعلمها لعلة الحاجة، والحكم يدور مع العلة. وقد جاء عن زيد من طريق أخرى- ذكرها الترمذي- أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أمره أن يتعلم السريانية. فنحن اليوم وقد ربطت بيننا وبين أمم أخرى مصالح علينا أن نعرف لغتهم وخطهم كما عليهم هم أن يعرفوا لغتنا وخطنا.
الثانية: هذه السنة أصل في اتخاذ الكتبة والتراجمة في الدولة وما يشترط فيهم من العلم والأمانة.
الثالثة: كان في إمكان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أن يكاتبهم بالخط العربي ويلزمهم أن يكاتبوه به ولكن تسامح الإسلام واحترامه لمحترمات الأمم في دينهم وقوميتهم قضيا بترك اليهود يكتبون ويكاتبون بخطهم، فأقرهم النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- على ما أرادوا وكلف هو من تعلم خطهم. وتركها لاتباعه سنة بعده.
الرابعة: هذه السنة أصل في ضبط أمور الدولة بالكتابة فيما يصدر عنها وفيما يوجه إليها. ومثلها ضبط كل العاملات، فهي أصل في التسجيل على العموم. وهكذا تجد سنة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- إذا تتبعتها- قد قررت - بالفعل- أصولا كثيرة