ليس المقصود بالفرار من الدنيا ترك السعي والعمل وتعاطي الأسباب المشروعة، لتحصيل القوت ورغد العيش وتوسيع العمران وتشييد المدنية بل المقصود الفرار من شرورها وفتنتها. وتناول ذلك كله على الوجه المشروع هو من الفرار اليه والدخول تحت شرعه كما قدمناه وقد ضل قوم فزعموا ذلك طاعة وعبادة فعطلوا الأسباب وخالفوا الشريعة وحادوا عمَّا ثبت من السنة، وفيهم سئل إمام الحديث والسنة أحمد بن حنبل رحمه الله، سئل عن القائل اجلس لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال:"هذا رجل جهل العلم، أما سمع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي، وقوله: تغدو خماصا وتروح بطانا، وكان الصحابة يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم وبهم القدوة".
[تطبيق]
إذا رأينا طائفتين من المؤمنين تنازعتا فأما أحداهما فالتجأت إلى السلطان تستغيثه وتستعين به وتحطب في حبله، فأغاثها وانتقم لها وأمدها وقربها وأدناها، وأما الأخرى فلم تستغث الا بالله ولم تستنصر الا به ولم تعتمد الا عليه ولم تعمل الا فيما يرضيه من نشر هداية الإسلام وما فيها من خير عام لجميع الانام وتحملت في سبيل ذلك كل ما تسببت لها فيه الطائفة الاخرى ومن تولته وهربت اليه، إذا رأينا هاتين الطائفتين عرفنا منهما- يقينا- الفارة من الله والفارة اليه فكنا- ان كنا مؤمنين- مع من فر إلى الله.
[الآية الخامسة]
[الألفاظ والتراكيب]
ولا تجعلوا: ولا تضعوا من عند أنفسكم ما لا وجود له.