لما أمرنا تعالى بالإنفاق علمنا كيف ننفق، وبين لنا أدب الإنفاق في هذه الكلمات.
شبهت حالة وهيئة البخيل المسيك الذي لا يكاد يرشح بشيء ولا يقدر لبخله على إخراج شيء من ماله بحالة وهيئة الذي جعل يده مغلولة مجموعة بغل إلى عنقه. فذاك لا تتوجه نفسه للبذل ولا تمتد يده للعطاء وهذا لا تعتدُّ يده للتصرف. ونقل الكلام المركب الدال على المشبه به فاستعمل في المشبه على طريق الإستعارة التمثيلية لتقبيح حالة البخيل.
والمعنى: لا تبخل بالنفقة في حقوق الله ولا تمسك إمساك المغلولة يده الذي لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء.
وشبهت حالة المسرف الذي لا يبقي على شيء بحالة الشخص الباسط لكفيه، فلا يمسكان عليه من شيء، فذلك يملك المال ولكنه يسرفه لايبقى له منه شيء، وهذا قد يمر الشيء على يده، ولكنه لا يبقي فيها شيء ونقل المركب الدال على المشبه به إلى المشبه استعارة تمثيلية أيضاً.
والمعنى: ولا تخرج جميع ما تملك مع حاجتك إليه ولا تنفق جميع مالك. وبهذا يعلم أن كل البسط المنهي عنه هنا غير التبذير المنهى عنه في الآية- المتقدمة، ذاك توزيع المال وتبديده في غير وجوهه، وهذا التجاوز في الانفاق المطلوب والتوسع في الإنفاق المأذون حتى يبقى بلا شيء.
نهى تعالى بهذه الآية عن طرفي الإفراط والتفريط وهما الإسراف