قد سمع سليمان هذا من الهدهد وأقره عليه، فللصغير أن يقول للكبير، وللحقير أن يقول للجليل، علمت ما لم تعلم وعندي ما ليس عندك، إذا كان من ذلك على يقين وكان لقصد صحيح. ومن أدب من قيل له ذلك ولو كان كبيرا جليلا أن يتقبل ذلك ولا يبادر برده وعليه أن ينظر فيه ليعرف مقدار صدق قائله فيقبله أو يرده بعد النظر والتأمل، اذ قد يكون في أصغر مخلوقات الله وأحقرها من يحيط علما بما لم يعلم مثل سليمان- عليه السلام- في علمه وحكمته واتساع مدركاته. وكفى بمثل هذا زاجرا لكل ذي علم عن الاعجاب بعلمه والاعتزاز بسعة اطلاعه والترفع عن الاستفادة ممن دونه.
[مدرك عقيدة]
لا يعلم أحد من الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- شيئا مما غاب عنه إلا باعلام الله، فليس لهم كشف عام عن جميع ما في الكون، وإنما يعلمون منه ما اطلعهم الله عليه. ومن مدارك ذلك هذه القصة، فإن سليمان- عليه السلام- لم يكن يعلم من مملكة سبأ شيئا حتى اطلعه الله عليه بواسطة الهدهد. وإذا كان هذا حال الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- فغيرهم من عباد الله الصالحين من باب أحرى وأولى.
[تحقيق تاريخي]
رويت في عظم ملك سليمان روايات كثيرة ليست على شيء من الصحة، ومعظمها من الاسرائيليات الباطلة التي امتلات بها كتب التفسير مما تلقى من غير تثبت ولا تمحيص من روايات كعب الأحبار ووهب بن منبه. وروى شيئا من ذلك الحاكم في مستدركه وصرح الذهبي ببطلانه، ومن هذه المبالغات الباطلة انه ملك الارض كلها