بهاتين الجملتين منذ نيف وعشر سنين توجنا جريدة (المنتقد) الشهيدة، وجعلناهما شعارا لها تحمله فى رأس كل عدد منها. هذا أيام كانت كلمة الوطن والوطنية كلمة إجرامية لا يستطيع أحد أن ينطق بها، وقليل جدا من يشعر بمعناها. وإن كان ذلك المعنى دفينا في كوامن النفوس ككل غريزة من غرائزها، لا سيما في أمة تنسب إلى العروبة وتدين بالإسلام مثل الأمة الجزائرية ذات التاريخ المجيد. أما اليوم وقد صارت كلمة الوطن والوطنية سهلة على كل لسان وقد يقولها قوم ولا يفقهون معناها، وقد يقولها آخرون بألسنتهم ولا يستطيعون أن ينتسبوا لها في المكتوب من رسمياتهم، ويفزع منها نن يتخيلون فيها ما يعرفون في وطنياتهم، وينكرها آخرون زعما منهم أنها ضد إنسانيتهم وعمومياتهم- فكان حقا لقراء (الشهاب) علينا أن نقول لهم كلمة مختصرة نبين بها حقيقة هذه الكلمة وأقسامها وأقسام الناس إزاءها، ومن أي قسم نحن من تلك الأقسام.
من نواميس الخلقة حب الذات للمحافظة على البقاء وفي البقاء عمارة الكون، فكل ما تشعر النفس بالحاجة إليه في بقائها فهو حبيب إليها، فالإنسان من طفولته يحب بيته وأهل بيته لما يرى من حاجته إليهم واستمداد بقائه منهم وما البيت إلا الوطن الصغير. فإذا تقدم شيئا في سنه اتسع أفق حبه وأخذت تتسع بقدر ذلك دائرة وطنه، فإذا دخل ميدان الحياة وعرف الذين يماثلونه في ماضيه وحاضره وما ينظر إليه من مستقبله، ووجد فيهم صورته بلسانه ووجدانه وأخلاقه