لتلك القفزة من الأستاذ حتى ذكرنا ما بين الشام والأندلس من علاقات في فتحها وانتقال الخلافة الأموية إليها فقلنا أن الأستاذ قد عوضه الله من القوة في عقله ما ضاع عليه في رجله وكدنا نغبطه على عرجه. وهاجت الذكرى الأندلسية بصاحبنا الإبراهيمي وأخذ في الحديث عليها وعلى وطنينا المقرى مؤرخها حتى كاد ينثر علينا "نفح الطيب" من حفظه، وعلمنا أننا سنرى أنوار الأندلس بعد الغروب وبدت لنا بعد صلاة المغرب فطار لب صاحبنا وأخذ يهلل ويكبر ويحوقل ويسترجع.
وسبقته إلى قول الشاعر:
كبرت نحو ديارهم لما بدت ... منها الشموس وليس فيها المشرق
فكاد يجن جنونه وأخذ يحدث عن شموس العلم التي بدت من ذلك الأفق وعن الثائر ابن غانية وما يتصل به وقضيناها سهرة أمام تلك الأنوار وأين منها عندنا "نار غالب" أو"نار المحلق".
[الأستاذ عبد الحميد]
هذه هي المرة الأولى والأخيرة أعبر فيها عن نفسي كما عبرت عن رفيقي "الأستاذ" فإن ما كنا نشعر به من الاتحاد الروحي كره إليَّ أن أعبر عن نفسي بغير ما عبرت به عنهما وأنا في قرارة نفسي أبغض التواضع المصنوع كما أبغض الإدعاء الكاذب فلا أعرفه من نفسي ولا مرة واحدة، وأما التواضع المصنوع فمما تنقضي به العادة ويحتمه أصل التربية وقد خرجت عنهما هذه المرة امتثالا للطبع ولن أعود.
لقد كنت مأخوذا بأدب الرفيقين ولطفها، وكنت أختم إنشادات العقبي بالآهات والأنات، وتارة بالهزات والوقفات، وكنت أساوق الإبراهيمي الحافظة فيما ينشد من "نفح الطيب" وقد طال عهدي به. ولم تفارقني مهنة المعلم فكنت أجدني عن غير قصد أقرر نكتة في