للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمضارع إشعارًا بعد إشعار بتجدد الوسوسة منه وعدم انقطاعها. وقال: فِي صُدُورِ النَّاسِ. والصدر ملتقى حنايا الأضلع ومستودع القوى التي كان الإنسان إنسانًا بها ومجمع المضغ التي تحمل تلك القوى. والقلب واحد منها، فالقلب غير الصدر، وإنما هو فيه، ولذلك قال: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (١).

ومواقع استعمال القرآن لكلمة الصدر مفردًا وجمعًا والحكم عليها بالشرح والحرج والضيق والشفاء والإخفإء والإكنان- ترشدنا إلى أنه ليس المراد منه الصورة المادية ولا أجزاءها المادية وإنما المراد القوى النفسية المستودعة فيه، وأن الوسواس الخناس يوجّه كيده ووسوسته دائمًا إلى هذه القلعة التي هي الصدر لأنها مجمع القوى.

وقال: {فِي صُدُورِ النَّاسِ} ولم يقل في قلوب الناس، لأن القلب مجلى العقل ومقر الإيمان، وقد يكون محصنًا بالإيمان فلا يستطيع الوسواس أن يظهره ولا يستطيع له نقبًا.

{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}: الجِنَّة جماعة الجن وهم خلاف الإنس، والمراد هنا أشرار ذلك الجنس لأن منهم المسلمين ومنهم القاسطين. واستعمل لفظ الجنة في القرآن بمعنى المصدر الذي هو الجنون في قوله تعالى: {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} (٢) ولما كان الموسوسون فريقين متعاونين على الشر ذكرهما الله تعالى في مقام الاستعاذة من شر الوسوسة ليلتئم طرفا الكلام ويحصل التقصي الوصفي في المستعاذ به والمستعاذ منه.

وقد قسم القرآن الشياطين، وهم القائمون بوظيفة الوسوسة،


(١) ٢٢/ ٤٦ الحج
(٢) ٧/ ١٨٣ الأعراف

<<  <  ج: ص:  >  >>