حق كل انسان في الحرية كحقه في الحياة، ومقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية، المتعدي عليه في شيء من حريته المتعدي عليه في شيء من حياته، وكما جعل الله للحياة أسبابها وآفاتها جعل للحرية أسبابها وآفاتها، ومن سنة الله الماضية أنه لا ينعم بواحدة منهما إلا من تمسك بما لها بن أسباب وتجنب وقاوم ما لها من آفات. وما أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وما أنزل عليهم الكتب وما شرع لهم الشرع إلا ليعرف بني آدم كيف يحيون أحرارا وكيف يأخذون بأسباب الحياة والحرية وكيف يعالجون آفاتها وكيف ينظمون تلك الحياة وتلك الحرية حتى لا يعدو بعضهم على بعض وحتى يستثمروا تلك الحياة وتلك الحرية إلى أقصى حدود الاستثمار النافع المحمود المفضي بهم إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة. فرسل الله وكتب الله وشرائع الله كلها ضد لمن يقف في طريق بني آدم دون هذه الغاية العظيمة بالتعدي على شيء من حياتهم أو شيء من حريتهم ولقد كانت هذه الشريعة المحمدية، بما سنت من أصول وما وضعت من نظم وما فرضت من أحكام- أعظم الشرائع وأكمل الشرائع في المحافظة على حياة الناس وحريتهم، وما كان انتشارهم ذلك الانتشار العظيم في الزمان القليل على يد رجالها الأولين- إلا لما شاهدت فيها الأمم من تعظيم للحياة والحرية ومحافظة عليهما وتسوية بين الناس فيهما مما لم تعرفه تلك الأمم من قبل لا من ملوكها ولا من أحبارها ورهبانها. والحياة والحرية محبوبان للناس بالطبع ومرغوبان لهم بالفطرة فأسرعوا لتلبية الدعوة بالدخول في الإسلام أو الإستظلال