للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفسير]

خلق الإنسان مركباً من روح وبدن، وإنما بقاء بدنه بالغذاء، وإنما كمال روحه بالعمل، فأمر الله بالأكل لبقاء البدن واشترط أن يكون من الطيبات لأنها هي التي تغذي ولا تؤذي. أما الخبائث ففيها الأذى ويتفه أو يعدم منها الغذاء. وأمر بالعمل الصالح الذي فيه زكاء للنفس ونفع لها في العاجل والآجل وخير للعباد والبلاد. وأخبر بعلمه بعمل العاملين ليجتهدوا في العمل ويخلصوا له فيه وينتظروا جزاءهم من عنده. والدِّين كله عمل صالح وتوحيد خالص. وقد انتظمتهما الآية تصريحاً في العمل واستلزاماً في التوحيد. وبيَّن- تعالى- بهذه الآيتان هذا الذي اشتملت عليه هو دين الله لجميع الأمم أوصى به رسله- صلوات الله عليهم- ليبلغوه لخلقه فهو حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه.

[توجيه الترتيب]

تتوقف الأعمال على سلامة الأبدان، فكانت المحاقظة على الأبدان

من الواجبات، ولهذا قدم الأمر بالأكل على الأمر بالعمل، فليس من الإسلام تحريم الطيبات التي أحلَّها الله كما حرم غلاة المتصوفة اللحم، وليس من الإسلام تضعيف الأبدان وتعذيبها كما يفعله متصوفة الهنادك ومن قلدهم من المنتسبين للإسلام. والميزان العدل في ذلك هو ما كان عليه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه- رضي الله عنهم- وقد بيَّن ذلك أئمة السنة والأثر رحمهم الله، وقد جوده مالك- رضي الله عنه- في كتاب الجامع من الموطأ. وفي تقديم الأكل من الطيبات على العمل الصالح تنبيه على أنه هو الذي يثمرها، لأن الغذاء الطيب يصلح عليه القلب والبدن فتصلح الأعمال كما أن الغذاء الخبيث يفسد به القلب والبدن فتفسد الأعمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>