فأسرع بالجواب والاعتذار عن الغيبة والدفاع عن نفسه فقال: اطلعت على شيء لم تطلع أنت عليه وعرفته من جميع نواحيه، وقد أتيتك من بلدة سبأ بخبر خطير ذي شأن عظيم تيقنته غاية اليقين.
[توجيه واستنباط]
كان في جواب الهدهد حجة بينة لسبب غيابه، وذلك لأنه لم يذهب عابثا ولا لغرض خاص به، وإنما ذهب مستطلعا مكتشفا فحصل علما وجاء بخبر عظيم في زمن قصير فرجحت هذه الفوائد العظيمة بتركه لمركزه في الجند فسقطت عنه المؤاخذة.
فإن قيل: ان أصل مفارقته لمركزه دون استئذان كان مخالفة يستوجب عليها العقوبة فالجواب أن هذه المخالفة كانت لقصد حسن وهو الاستطلاع وأثمرت خيرا فاستحق العفو عن تلك المخالفة التي كانت عن نظر ولم تكن عن تهاون وانتهاك للحرمة.
فإن قيل: ما الذي أوقع في نفس الهدهد رغبته في طلب ما طلب، فالجواب: انه يجوز أن يكون شاهد عمران اليمن من مكان بعيد ببصره الحاد فرغب في المعرفة أو أن يكون قد مر باليمن من قبل ولم يتحقق من حالها فأراد أن يتحقق.
وهذه الآية مأخذ من مآخذ الأصل القائل: ان المخالف للأمر عن غير انتهاك للحرمة لا يؤاخذ بتلك المخالفة. ومن فروع هذا الأصل سقوط الكفارة عمن أفطر في رمضان متعمدا متأولا تأويلا قريبا.
[عزة العلم وسلطانه]
ابتدأ الهدهد جوابه معتزا بما أحاط به من العلم متجملا بما حصل منه مظهرا لارتفاع منزلته به متحصنا به من العقاب. ولم تمنعه عظمة سليمان- عليه السلام- من اظهار علمه واعلان اختصاصه به دون سليمان.