عامل الأعمال العادية الذي يتناولها بنية كونها مباحاً تناولها شرعاً بها التوسل إلى ما يتوقف عليها من أعمال واجبة ومندوبة، وإلى الإنكفاف بها عن المحرمات والمكروهات. كمباضعة زوجته للقيام بواجب حقها، وكف نفسه وكفها، وكالنوم ليقوى على العبادة، والرياضة ليصح للطاعة، فهذا مثاب وسعيه مشكور. وله ما نوى. وبهذه السبيل يستطيع العبد الموفق أن تكون حركته وسكناته كلها لله، وفي طاعته، دائم الذكر له يعبده كأنه يراه. لأن من كان يعبد كأنه يرى مولاه، لا يمكن أن يغفل عنه قلبه ويشتغل بسواه، حتى إذا اشتغل بشيء كان بإذنه ورضاه، فلم يخرج في أي عن حضرة قدس الله. ومن أدلة هذا قوله- صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عند مسلم:((وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)).
[المبحث الثالث]
من الناس من يخترع أعمالاً من عند نفسه ويتقرب بها إلى الله، مثل ما اخترع المشركون عبادة الأوثان بدعائها، والذبح عليها والخضوع لديها، وانتظار قضاء الحوائج منها، وهم يعلمون أنها مخلوقة لله مملوكة له، وإنما يعبدونها- كما قالوا- لتقربهم إلى الله زلفى. وكما اخترع طوائف من الهنود أنواع التعذيب بقتل أنفسهم وإحراقها طاعة- زعموا- وتقرباً، وكما اخترع طوائف من المسلمين الرقص والزمر والطواف حول القبور والنذر لها والذبح عندها ونداء أصحابها وتقبيل أحجارها ونصب التوابيت عليها وحرق البخور عندها وصب العطور عليها. فكل هذه الإختراعات فاسدة في نفسها لأنها ليست من سعي الآخرة الذي كان يسعاه محمد - صلى الله