مفعول أرسلنا محذوف تقديره رجالاً، وعليه عاد الضمير في أنهم، وهو صاحب الحال، والحال هي الجملة التي بعد إلا، والجملة الثانية حال بالعطف على الأولى، والاستثناء مفرغ من الأحوال وتقدير الكلام: وما أرسلنا قبلك رجالا من المرسلين إلاَّ حالة أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. أي ما أرسلناهم في حالة من الأحوال إلاّ في هذه الحال. وأن اللام والحصر بما والأكل هذه لتأكيد المعنى الذي سيق إليه الكلام، وهو إثبات أن رسول البشر لا يكون إلا بشراً رداً على منكري ذلك من المشركين، وعبر بالمضارع في يأكلون ويمشون لأن ذلك من ضروريات بشريتهم، فهو يتجدد ويتكرر منهم، وأكل الطعام والمشي في الأسواق كناية من البشرية، لأنهما وصفان لازمان لها.
[المعنى]
وما ينكر عليك هؤلاء من أكلك الطعام ومشيك في الأسواق مع أنك رسول الله، وقد علموا أنه ما من رسول كان قبلك إلا وهذه حالته، وما أنت إلا واحد منهم فلا عيب عليك في ذلك ولا حجة لهم عليك به.
[تاريخ]
هذه المقالة شنشنة قديمة من الأمم التي أرسلت إليها الرسل فقابلتها بالجهل والعناد فقد قال لنوح قومُه:{مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا}(١) وقال لهود قومه: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا