إن هذه الموجودات كلها، علويها وسفليها، مشمولة برحمة الله، مغمورة بنعمته. وأول تلك النعم هو وجودها، وذلك الوجود من مقتضى الرحمة. ثم تتنوع تلك النعم الرحمانية بتنوع أجناس الموجودات وأنواعها وأصنافها وأفرادها، وتتفاوت أيضاً حسب ذلك. وينال كلٌ حظه منها بتقدير الحكيم العليم. ومن مظاهر هذه الرحمة العامة أن كلَّ موجود قد أعطي من التكوين ما يناسب وجوده وما يتوقف عليه بقاؤه أو ارتقاؤه، سواء أكان من عالم الجماد أو عالم النبات أو عالم الحيوان.
وقد مضى قبل هذه الآية ذكر مريدي العاجلة الذين لا يعملون إلاَّ لها، وما أعد لهم من عذاب النار. وذكر مريدي الآخرة بأعمالهم في الدنيا وما أُعِدَّ لهم من حسن الجزاء. فحالتهم في الآخرة متباينة: هؤلاء في النعيم المقيم، وأولئك في العذاب الأليم، هذا في الآخرة، وأما في الدنيا فإنهم قد أُعْطُوا من نعم الحياة ومكنوا من أسبابها فقد تساووا في الخلقة البشرية، وفي العقل المميز المفكر، وفي الإرادة الحرة. وقد أظلتهم السماء، وأصابتم نعمة الشمس والقمر والكواكب وما ينزل من السماء، وقد أقلتهم الأرض، وشملتهم