للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدنية مادية في نهجها وغايتها ونتائجها، فالقوة عندها فوق الحق والعدل والرحمة والإحسان- فقالوا إن رجال هذه المدنية هم الصالحون الذين وعدم الله بإرث الأرض. وزعموا أن المراد بالصالحين في الآية: الصالحون لعمارة الأرض. فيالله للقرآن وللإنسان، من هذا التحريف السخيف، كان عبارة الأرض هي كل شيء ولو ضلت العقائد، وفسدت الأخلاق، واعوجت الأعمال وساءت الأحوال، وعذبت الإنسانية بالاأزمات الخانقة، وروعت بالفتن والحروب المخربة الجارفة وهددت بأعظم حرب تأتي على الإنسانية من أصلها والمدنية من أساسها، هذه هي بلايا الإنسانية التي يشكو منها أبناء هذه المدنية المادية التي عمرت الأرض وأفسدت الإنسان، ثم يريد هذا المحرف أن يطبق عليها آية القرآن: كتاب الحق والعدل والرحمة والإحسان، وإصلاح الإنسان ليصلح العمران. فاما الصالحون فهو لفظ قرآني قد فسره القرآن كما قدمناه وقد شرَّف أهله بإضافتهم إلى الله في قوله: {عِبَادِي} فحمله على الصالحين لعمارة الأرض تحريف للكلام عن مواضعه أبشع التحريف وأبطله فليحذر المؤمن منه ومن مثله من تحريفات المبطلين والمفتونين.

[موعظة وإرشاد]

فعلى الأمم التي تريد أن تنال حظها من هذا الوعد أن تصلح أنفسها الصلاح الذي بينه القرآن، فأما إذا لم يكن لها حظ من ذلك الصلاح فلا حظ لها من هذا الوعد، وإن دانت بالإسلام. ولله سنن نافذة بمقتضى حكمته ومشيئته في ملك الأرض وسيادة الأمم يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء من أخذ بنوع من تلك السنن بلغت وبلغ بها إلى ما قدر له من عز وذل وسعادة وشقاء وشدة ورخاء وكل محاولة لصدها عن غايتها- وهو آخذ بها- مقضي عليها بالفشل. سنة الله، ومن ذا يبدلها أو يحولها؟

<<  <  ج: ص:  >  >>