عدت قريش على المستضعفين تعذبهم وتفتنهم لِتَصرفهم عن الإسلام فكان أمية بن خلف الجمحي يخرج بلالا إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له لا تزال كذلك حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى فيصبر بلال على ذلك العذاب ويقول وهو في ذلك البلاء:"أحد أحد". ويأبى أن يقول كلمة الكفر بلسانه وقد علم أنه لا إثم على من يقولها بلسانه إذا أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ويأبى أن يترخص كما ترخص إخوانه المستضعفون وأن يواتي ويوافق كفار قريش ولو بكلمة واحدة.
[ترجيح واقتداء]
الحالة التي كان فيها بلال من الصبر والثبات والإباية من شيء من الترخص- أرجح من حالة الترخص وإن كانت هذه سائغة جائزة إذ في الحال الأولى إقامة التوحيد وإرغام المشركين وتثبيت للدعوة وجلب إليها وتقوية لقلوب المستجيبين لها وضرب المثل لكل من أصيب وعذب في الحق ولو أن جميع المبتلين ترخصوا لخفتت كلمة التوحيد وطغت كلمة الشرك وازداد ظلم أهلها ولتزلزلت الدعوة واضطربت قلوب ضعفاء الإيمان وأعرض عنها كل من لم يكن قد استجاب. ولا شك أن حالة الصبر وعدم الترخيص هي حالة الأنبياء- صلوات الله عليهم- وحالة الكبَراء من أصحابهم حتى قتل منهم من قتل وعذب منهم من عذب كما قص أخبارهم القرآن العظيم.
[عتقه]
كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - داعية الإسلام من يوم أسلم وكان بلال ممن استجاب له فلما رأى ما حل به من عذاب اشتراه