العظيمة في عشر مدارس تحت قبة الملك الظاهر بيبرس البندقداري ولقي ممن استحلوا أكل الكتب والأوقاف مقاومة شديدة وهددوه بالقتل إن لم يرجع عن قصده فما زادوه إلا مضاء وانكماشا، ولا تزال هذه الدار أثراً من آثاره في الشام وقد أنشأ مثلها في القدس باسم الشيخ راغب الخالدي وسماها "المكتبة الخالدية" وأضاف إليها بعد ذلك آل الخالدي خزائنهم الخاصة.
[علمه وعمله]
رأينا منهاج الدروس الواسع الذي أخذ الشيخ نفسه بدراسته منذ حداثته وأنه ليندر في المتأخرين من علماء دور الانحطاط الفكري نبوغ رجل مثله وعى صدره من ضروب المعارف ما وعي وطبق مفاصل الشريعة مع علوم المدنية فقد كان متضلعا من علوم الشريعة وتاريخ الملل والنحل منقطع القرين في تاريخ العرب والإسلام وتراجم رجاله ومناقشات علمائه ومناظراتهم وتآليفهم ومراميهم، ساعده على التبريز في هذا المضمار قوة حافظته التي لا تكاد تنسى ما يمر بها مهما طال العهد. وكان إماماً في علوم الأدب واللغة إذا سألته حل مسألة تظن الشيخ لا يعرف غير هذا العلم وإذا استرشدته في الوقوف على مظان موضوع تريده أطلعك من ذلك في الحال على ما لا يتيسر لغيره الظفر به بعد الكشف عنه أياماً، وهكذا هو في علوم الشريعة ولا سيما التفسير والحديث والأصول. وكان يعرف السياسة وما ينبغي لها وحالة الغرب واجتماعه والشرق وأممه وأمراضه معرفة لا تقل عن معارف عالم أخصائي من علماء الغرب لعهدنا، ولا يكاد جليسه يصدق إذا انكفأ الشيخ يتكلم في هذه الموضوعات خصوصاً إذا كان غربيا أن محدثه شيخ من شيوخ المسلمين يعيش في أمة لا ثقيم وزناً لهذه المعارف.