اتسع صدر الشيخ لجماع علوم المدنية الحديثة إلا الموسيقى والتمثيل فلم يكن له حظ فيهما وربما قاوم سراً المشتغلين بهما مخافة أن تكون سلماً إلى التبذل وخلع ثوب الحياء والوقار، وكان لا يرى فيهما إلا مدرجة اللهو والصبوة. وهذا مما لم يدخله الشيخ في جريدة أعماله ولذلك لا يفتي بالتسامح مع القائمين عليهما مهما أوردوا له من الحجج على نفعهما. وصعب أن يتخلى المرء عن جميع ما أورثه إياه أهله وأساتذته ومحيطه، وصعب على من حلف أن يعيش عيش جد وتبتل أن يتساهل في الصغائر لئلا تؤدي إلى الكبائر. أما الرسم والتصوير والنقش فكانت مما يتسامح فيه لكنه يغمزه عرضاً، وكثيراً ما يقول أن أجيال الفرنجة في هذا العصر أفرطوا في الغرام بالتصوير والتعويل عليه في كل أمر فأضعفوا بذلك قوة التفكير والتصوير.
وسياسة الشيخ في التعليم محصورة في تلقف المسلمين أصول دينهم والاحتفاظ بمقدساتهم وعاداتهم الطيبة وأخلاقهم القديمة القويمة وأن يفتحوا قلوبهم لعامة علوم الأوائل والأواخر من فلسفة وطبيعي واجتماعي على اختلاف ضروبها ويقاوم المتعصبين على هذه العلوم المنكرين غناءها في الجتمع مقاومة حكيم عاقل وذلك بتكثير سواد الدارسين لها وإرشادهم إلى طرقها العملية المنتجة لا الوقوف بها عند حد الأنظار فعمَّ المسلمين في الشام درس علوم نرى اليوم الأخذ بحظ منها من البديهيات اللهم إلا عند بعض الجامدين من المشايخ ممن جهلوها، ومن جهل شيئاً عاداه.
وكانت للشيخ طرق مبتكرة في معنى بث الأفاكار التي تخالف معتقد الجمهور يبثها في الحقول بدون جعجعة ولا مظاهرة ويقرب منالها من المستعدين لأخذ النفس بها وذلك بتلقينهم أمهات مسائلها أثناء الحديث على صورة لا ينفرون منها ولا يخطر لهم أنها بالبدع المنكر. مثال ذلك أنه أولع في صباه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمبة وكانت