كلها، ولوف قدر له أن عاش منذ نشأته في محيط أوسع كمحيط مصر وخلا من مدافعة المشاكسين والظالمين ورأى شيئا من الطمأنينة وسعة العيش لتضاعف عمله لا محالة وعم نفعه مصر وغير مصر وربما كان ظهوره في الشام والعهد عهد ظلمة وجهل أبرك عليها وأنفع لها لأن ما اضطلع به وحده لا يضطلع به عشرة علماء على شريطة أن يكونوا في درجته من الإخلاص وشدة الشكيمة وعزوف النفس عن المطامع والدنايا.
وبعد فهذه صورة صحيحة من صور الأستاذ الحكيم عجيبة في خطوطها وتقاطيعها، جميلة بألوانها وأشكالها، عرضتها لغرابتها لأنه ندر جدا في المعاصرين من الأحياء ظهور رجل يماثله في أطواره وحركته وسعة حيلته وبسطته في العلوم، اللهم إلا إذا كان ممن لم يبلغنا خبره في البلاد النائية والزمان بخيل بمثل هؤلاء النوابغ في كل عصر وقد لا ينبغ اضرابهم في قرون يفادون بكل ما يتفانى الناس من التهالك عليه من مال وجاه ورفاهية وتنحصر لذائذهم في بث أفكارهم وآرائهم ويسعدون السعادة كلها إذا نهضوا بإنارة عقول أهل جيلهم وقبيلهم.
[رسائله الخاصة]
وإلى القارئ الآن جملا من كتب دارت بيني وبين أستاذنا فيها شيء من مبادئه العلمية وروحه السامي ربما ترجمت عنه لقلتها مثل ترجمتنا وزيادة. وكتابة المرء نمامة على علمه وعقل الكاتب في قلمه واختياره قطعة من عقله. وقد صدرت هذه الرسالل من القاهرة المعزية ومن أجمل ما فيها كونها كتبت على البديهة لا كلفة فيها شاْن الشيخ في كتبه ومفكراته. وربما كتب إلى أصحابه كتابا وبعثه في البريد بدون أن يطالعه ثانية، ولذلك رأينا بعض كتبه غفلاً من التاريخ أيضاً.
سالته مرة عن منشأ الشعوبية فأجاب: "وأما الزمن الذي ظهرت