فيه الشعوبية فلا يحضرني فيه شيء والوقوف على أوائل الأشياء من أصعب المسائل وأدقها إلا أن الذي ظهر لي أن ذلك حدث بعيد عصر الخلفاء الراشدين لوجود الداعي إلى ذلك وهو التفاخر بالجنس الذي هو من عادات الجاهلية التي أتى الدين بإبطالها ومن نظر لمنزلة سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي في أوائل الأمة زال عنه الشك في هذه المسألة.
ولا يدخل في هذا الأمر بحث المؤرخ عن خصائص الأجناس مما يقصد به الوقوف على الحقائق فإن هذا نوع آخر. إلا أن من بحث عن أحوال الأمم ووفى النظر حقه تبين له أن العرب في الجملة لا تساميهم أمة البتة.
وأظن أنه لا بد أن تؤلف بعد حين كتب في خصائص الأمم وكتب في خصائص البلاد كما ألفت كتب في خصائص اللغات تجعل من الفنون التي يعني بها وتميز عن غيرها ولا تذكر بطريق العرض إلا أن فن خصائص الأمم تتيسر المشاغبة فيه والمغالطة أكثر من غيره. وكل فن وضعت مقدماته ونقحت مسائله يبدو بسرعة عوار الغالط فيه.
هذا وكما حدث بعض عصر الخلفاء أمر المفاضلة بين العرب والعجم حدث أمر المفاضلة بين العدنانية والقحطانية وهما الفريقان اللذان يجمعهها اسم العرب. ونشأ بسبب ذلك من الفتن ما يعرفه المولع بالأخبار ولم يزل أثر ذلك باقيا في بعض الجهات إلى ما قبيل عصرنا هذا وقد رأيت في بعض بلاد أناسا يقولون إلى الآن نحن قيسية وآخرين يقولون نحن يمانية.
كتبت لك ما كتبت والقلم لا يكاد يجري لما حدث لي من الفترة من نحو ثلاثة أسابيع. وسبب ذلك أني اختبرت أحوال كثير من الولايات فوجدتها منقسمة إلى حزبين كل منهما يباين الآخر في كل شيء ولم يظهر حزب ثالث يكون معتدلا ومعدلا لهما. وإذا دام الحال هكذا