(الدعاء هو العبادة) وحديث أنس عند الترمذي مرفوعاً (الدعاء مخ العبادة) وهذا لأن العبادة هي الخضوع والتذلل لمن بيده الخلق والتصرف والعطاء والمنع، ومظهر هذا الخضوع والتذلل هو الدعاء لدفع الضر، أو جلب النفع، فلذلك عبر عنه في الحديث الأول بأنه هو العبادة أي معظمها، وفي الثاني بأنه مخ العبادة أي خالصها. ودلت الآية أيضاً على أنه لا يجوز دعاء غير الله من المخلوقين، أي مخلوق كان، لدفع ضر- ومثله جلب نفع-، لأن الآية نعت على المشركين دعاءهم من لا يملك كشف الضر ولا تحويله، وهذا أمر يشترك فيه جميع المخلوفين، فلا مخلوق يستطيع كشف الضر أو تحويله عن نفسه ولا عن غيره فلا مخلوق يجوز دعاؤه ودلت على أن كشف الضر أو تحويله- ومثله جلب النفع- إنَّما هو للمعبود الحق لأن الآية استدلت عليهم في مقام الأمر بتوحيد الله بالعبادة بانتفاء ملك كشف الضر أو تحويله عن غير الله، فأفاد ذلك قصر هذا التصرف عليه تعالى وحده.
[إستنتاج]
لما ثبت شرعاً أن الدعاء عبادة فمن دعا شيئا فقد عبده ولو كان هو لا يسمي دعاءه عبادة جهلاً منه أو عناداً لأن العبرة بتسمية الشرع واعتباره لا بتسمية المكلف واعتباره. ألا ترى لو أن شخصاً قام للصلاة بدون وضوء مستحلاً لذلك فلما أنكرنا عليه قال إنني لا أعتبر هذه الأفعال والأقوال عبادة ولا أسميها صلاة. أترى ذلك يجيز فعله ويدفع عنه تبعته، كلا! ولا خلاف في ذلك بين المسلمين. بل قد حكموا بردته إن كان يفعل ذلك ويراه حلالاً. لأنه يكون قد أنكر معلوماً من الدين بالضرورة. فالداعي لغير الله تعالى يطلب منه قضاء حوائجه قد عبد من دعاه، وإن لم يعتبر دعاءه عبادة، لأن الله قد سماه عبادة، وإذا استمر على فعله ذلك مستحلاً له