يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن". فمقصود الشارع من المذنبين أن يتلوا القرآن لجلاء قلوبهم، وذلك الرأي يصرفهم عنه.
الوجه الثالث: إن الوعيد والترهيب قد ثبتا في نسيان القرآن بعد تعلمه وذهابه من الصدور بعد حفظه فيها، فروى أبو داوود عن سعد: "ما من أمريء يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله أجذم". وروى الشيخان عن عبد الله: "إستذكروا القرآن فإنه أشد تقصياً من صدور الرجال من النعم". فمقصود الشرع دوام التلاوة لدوام الحفظ ودفع النسيان وذلك الرأي أدى إلى تقليلها أو تركها الموقع في النسيان.
وإلى مخالفته مقصود الشرع بهذه الوجوه فإن له لوازم فاسدة.
منها: أن صلاة النافلة مرغب فيها على العموم، وهي مشتملة على قراءة القرآن. فماذا يقول أصحاب هذا الرأي؟ فهل يرغِّبون المذنبين- أمثالنا- عن النافلة طرداً لأصلهم؟ أم ينهون عن قراءة القرآن في النافلة فيقولون ما لم يقله أحد؟ أم يقولون بالإقتصار على قراءة سورة فيتحكمون في الأحكام؟!
ومنها: أنه قلَّ من يسلم من مخالفته للقرآن بعمله. فإذا ذهبنا مع ذلك الرأي حرم خلق كثير من تلاوة القرآن. وكفى بقول يؤدي إلى هذا كله راداً على نفسه. وأما قولهم: "إن تالي القرآن يأثم بقراءته مع مخالفته"، فهي دعوى لم يقيموا عليها من نص صحيح صريح من سنة أو كتاب، بل الدليل قائم على خلافها، فإن المذنب يكتب عليه ذنبه مرة واحدة ولا بكتب عليه مرة ثانية إذا ارتكب ذنباً آخر، وإنما يكتب عليه ذلك الذنب الآخر. فكيف إذا باشر عبادة التلاوة؟ والأصل القطعي - كتاباً وسنة- إن من جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهو يبطل أن تجدِّد له سيئاته إذا جاء بحسنة تلاوة القرآن.