وأعظم الخيانة بعد الكفر خيانة العامة، لأن الذنب يعظم بعظم آثره وانتشار ضرره. ولهذا جاء ما جاء من الوعيد الشديد فيمن ولي أمراً من أمور المسلمين فغشهم ولم ينصح لهم. فحَق على المسلم أن يحذر من الخيانة دقيقها وجليلها وخصوصاً ما اتصل بالناس منها ويتنبه من أقل كلمة وأدنى إشارة توقعه في ضطرها.
[سؤال وجوابه]
فإن قيل: قد نجد من عباد الله المؤمنين من يصيبه البلاء والشدة فيعذب وقد يقتل وكأين من نبي قتل، وقد أصاب المؤمنين يوم أحد ويوم حنين ما أصابهم. فالجواب: أن دفع الله يكون بأسباب وأنواع وعلى وجوه تختلف بحسب الحكمة ولا تخلو كلها من دفاع، فإن ما يصيب المؤمنين من البلاء في أفرادهم وجماعتهم هو ابتلاء يكسبهم القوة والجلد ويقوي فيهم خلق الصبر والثبات وينبههم إلى مواطن الضعف فيهم أو ناحية التقصير منهم، فيتداركوا أمرهم بالإصلاح والمتاب، فإذا هم بعد ذلك الإبتلاء أصلب عوداً وأطهر قلوباً وأكثر خبرة وأمنع جانبا، وإنَّ في صبر الصابر منهم وقد نزل به البلاء الذي لا يقدر على دفعه والظلم الذي لا يقدر على إزالته لبعثاً للقوة في نفس غيره ممن يأتسى به، وضعفاً في قلب ظالمه. وفي كليهما دفع من الله عن المؤمنين.
[مشاهدة وتوصية]
نعرف في حياتنا مواطن ما نجونا فيها إلاَّ بدفع الله وبطل كيد الكائدين فيها بمحض صنع الله، وقد كنا فيها- فيما نرى- على شيء من العمل لله. فكيف بمن كانت أعمالهم كلها لله. وهذه المشاهدة التي شاهدنا- ولا نشك أن من غيرنا من شاهد مثلنا أو أكثر منا- توجب علينا أن نوصي بالإيمان بالله والمحافظة على العهد