وشعرت لكرامتها، وأخذت تذكر ماضيها أيام حريتها واستقلالها، وهو غير بعيد في الماضي عنها، فانبعثت تعمل لفك قيودها ونيل حريتها وتبوء منزلتها اللائقة بها كسائر الأمم التي ليست هي- في قوميتها وتاريخها- دونها. غير أنها تريد أن تكون مع فرانسا وتكون فرانسا معها كأستاذ نصوح وتلميذ بار يتبادلان الصداقة والاحترام ويتعاونان في الرخاء والشدة.
هذا- لعمر الله- هو حقيقة نفسية هذه الشعوب، وهذا هو سبب ثورتها على الظلم وإبايتها من استمرار الحال على ما كان.
وما من علاج بعد هذا- والله- إلا تبديل السياسة العتيقة الرثة البالية بسياسة جديدة تعترف لهذه الشعوب بكيانها القومي، وتفسح أمامها مجال العمل للتقدم والرقي، وتنيلها أعظم قسط من التحرير، وتشعرها بأنها تساندها لتبلغ رشدها، فتكون بدورها يوم رشدها التام عضدا- وأي عضد- لها.
فهل يستطيع الساسة هذا العلاج!
[نحن الجزائر]
فإذا أرادت فرنسا أن تحافظ عليها فلتحافظ على قلوبنا:
يكتنف الجزائر اليوم- وأختيها كذلك- خطران عظيمان: موسوليني من شرقها وفرانكو من غربها .. يحيط بها هذان الخطران وتضطرب أمواج البحر الأبيض المتوسط بغواصاتهما، وتدوي جوانب أجوائه بأزيز طياراتهما، وتحتل قواتهما مراكز الحياة من أحشائه، حتى أصبح الذي يريد أن يمتطي متنه في باخرة، أو يتبطن جوه في طيارة، يشعر بالخوف من مبارحته ساحل الجزائر إلى حلوله بساحل مرسيليا.