ويصبر على ما يلحقه في أتباعهم من الجهد والبلاء ممن يحتقرهم ويعرض عنهم لما يرى من بشريتهم، كما جعلنا الأمم فتنة لرسلها وامتحاناً لهم ليظهر صبرهم على ما يلاقون منهم من إذاية وشر، فتعلو درجاتهم ويضاعف أجرهم. وجعلنا الغني إمتحاناً للفقير حتى يظهر صبره على حاله وكفه لعيْنه ويده عن شيء غيره، كما جعلنا الفقير امتحاناً للغني حتى يظهر صبره على القيام بواجبه نحوه، وجعلنا الصحيح فتنة للمريض حتى يظهر صبره على بلواه ورضاء بما أعطاه الله، كما جعلنا المريض فتنة للصحيح حتى يظهر صبره على القيام بواجبه نحوه من العطف عليه وعيادته ومواساته: وجعلنا الرعية فتنة للراعي حتى يظهر صبره على القيام بواجب رعايتها، كما جعلنا للراعي فتنة للرعية ليظهر صبرها على طاعته، وهكذا في جميع أقسام الناس. أتصبرون على هذا الإمتحان فإن الصبر عليه عزيز شديد فاصبروا فإنه لا يخرجكم من هذا الإمتحان خالصين خلوص الذهب الإبريز إلا الصبر، وكان ربك يا محمد بصيراً عالماً بعاقبة الإمتحان في عباده، مطلعاً على كل ما يكون منهم عند الإمتحان ليجازيهم عليه.
[سؤال وجوابه]
الله تعالى عالم بما يكون من عباده بعد امتحانهم قبل أن يمتحنهم فما هي حكمة الإمتحان؟ والجواب: أن الله تعالى إنما يحاسب عباده على ما عملوا وكسبوه واكتسبوه بما عندهم من التمكن من الفعل والترك وما عندهم من الاختيار لا على ما علمه منهم قبل أن يعملوه، فلهذا يمتحنون لتظهر حقائقهم ويقع جزاؤهم على ما كسبت أيديهم باختيارهم، ولا حجة لهم في تقدم علمه تعالى بما يكون منهم، لأن تقدم العلم لم يكن ملجئاً لهم على أعمالهم، ففي هذا الإمتحان قيام حجة الله على العاملين أمام أنفسهم وأمام الناس، كما فيه إظهار لحقيقتهم لأنفسهم ولغيرهم.