قد علمنا أن الصفة الجامعة بين هذه السورة وبين التي قبلها (هي المعوذتان) وعلمنا أنها تسمية نبوية، وقد جرت هذه الصفة مجرى الاسم لهما. أما الاسم الخاص بهذه السورة فهو الناس، كما أن الاسم الخاص بالسورة الأولى: الفلق. والمناسبة بين السورتين يرشد إليها اشتراكهما في الوصف وهو التعوذ بهما من الشرور المذكورة فيهما، وفي السورة الأولى الاستعاذة من الشر العام ومن ثلاثة أنواع منه ذكرنا الحكمة في تخصيصها بالذكر. وفي هذه السورة الاستعاذة من شر واحد لكنه سبب في شرور كثيرة.
والمناسبة القريبة بين السورتين هي أن النفوس الشريرة ثلاثة أقسام: قسم يصدر عنه الضرر ويعمله، وقسم لا يريد الخير فيسعى في سلبه وانتزاعه، وهو شر من الأول. وقسم يعمل إلى إيصال الشر إلى سلطان الجوارح ومالك هديها، وهو المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. فهو يحسن له الأشياء القبيحة ويأتيه من جميع النواحي على وجه النصح وإرادة الخير، ويزين للإنسان كل ما يرديه من القبائح ويأتيه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، قريبا منه متصلا بهواه، وهذا القسم الأخير هو الذي يوسوس بكلمة السوء مزينة الظاهر مغطاة القبح حتى تستنزل صاحبها إلى الهلاك. ولما كان هذا القسم الثالث أعظم خطرًا وأكثر شرًا وأخسر عاقبةً خصص التعوذ منه بسورة كاملة.
رب الناس: هو مربّيهم ومعطيهم في كل مرتبة من مراتب الوجود