ورجوعهما إلى أصل واحد. الثاني: أن إلتزام الصدق يحمل على الوفاء بالعقود والعهود والوعود في معاملة الناس، فتجري أعمال المرء مع غيره على سداد واستقامة والكذب بعد ذلك. الثالث: أن الملتزم للصدق يمسك نفسه عن أعمال السوء مخافة أن يسئل عنها فيصدق فيجر على نفسه سوءا أو يكذب وهو لا يرضى مواقعة الكذب فتجري أعماله على البر سالمة من الفجور. والملتزم للكذب الضاري عليه يرتكب العظائم ولا يبالي أن ينفي عن نفسه كاذبا. أما البر فيوصل إلى الجنة لأنها دار المتقين، وأما الفجور فيوصل إلى النار لأنها دار الفاسقين. وأما كتابة الملازم للصدق صديقا فجزاء له من جنس عمله، فإنه داوم على الصدق وثبت عليه حتى رسخ فيه وتمكن خلقا من أخلاقه، فأثبت اسمه كذلك في الصديقين ومثله ملازم الكذب.
[إستفادتان]
الأولى: أن بين الخصال خصال البر وخصال الشر تناسبا وتوالداً أو هذا أصل يحتاج إليها في تهذيب الأخلاق وتزكية النفوس وعلاج أدوائها، فإن من عرف المرض الأصلي الذي نشأت منه أمراض أخرى سهل عليه إذا عالجه أن يقتلع- بإذن الله- الباقي، ومن عرف أصل الخير سهل عليه إذا تمسك به أن يحصل على فروعه. الثانية: إن تكرر العمل بمقتضى خلق من الأخلاق يقويه ويثبته وأن العمل على مقتضى ضده يضعه ويزيله، وهذا أصل عظيم أيضا في التربية يعلمنا أن التساهل في الأعمال السيئة ولو كانت في نظرنا طفيفة يفضي بنا إلى استعصاء داء الرذيلة، وأن القيام بالأعمال الحسنة ولو كانت طفيفة يبلغ بنا إلى رسوخ الفضيلة.
[إستنتاج]
قد كتب الله مقادير الأشياء قبل أن يخلق السموات والأرض وجفَّت