((القومية والشخصية لهما مقومات ومميزات. والمحافظة عليهما والاعتزاز بهما مما جبل عليه الناس كما جبلوا على حب البقاء. لكن قد يطرأ على بعضهم سوء ظن فيهما لجهل أو ضعف، فيتخلى عنهما فيكون ذلك التخلي نذير الفناء، وفي القصة التالية نرى اعتزاز الرشيد بقوميته ومحافظته على مميزاتها حتى في أقل الأشياء كالنعل. وكان ذلك منه على قدر ما لديه من عظمة وقوة، وما عنده من علم بمجد قومه العرب الأكرمين)).
ــ
قال الأصمعي: تصرفت بي الأسباب على باب الرشيد مؤملا الظفر به والوصول إليه، حتى صرت حديثا لبعض حرسه، فأني في بعض ليلة قد نثرت السعادة والتوفيق فيها الأرق بين أجفان الرشيد إذ خرج أحد الخدم فقال: أما بالحضرة أحد يحسن الشعر؟ فقلت: الله أكبر، رب قيد مضيق قد حله التيسير، فقال لي الخادم: أدخل فلعلها أن تكون ليلة في صباحها الغنى ان فزت بالحظوة عند أمير المؤمنين. فدخلت فواجهت الرشيد في مجلسه، والفضل بن يحيي إلى جانبه، فوقف بي الخادم حيث يسمع التسليم فسلمت فرد علي السلام ثم قال: يا غلام، أرحه ليفرخ روعه إن كان وجد للروعة حسا. فدنوت قليلا ثم قلت: يا أمير المؤمنين أضاءة مجدك وبهاء كرمك مجيران لمن نظر إليك من اعتراض أذية. فقال: أدن، فدنوت. فقال: أشاعر أم راوية؟ فقلت: راوية لكل ذي جد وهزل بعد أن يكون محسنا. فقال: