نشا أبو بكر في كنف أبيه- وقد عرفت من هو- فأرضعه أخلاف الأدب وأحضره مجالس العلم فتأدب وقرأ القراءات وسمع من أبيه وخاله أبي القاسم الحسن الهوزني، واستكمل العلم وحصل أسباب الإمامة بعد رحلته إلى المشرق مع أبيه.
وقال هو عن نفسه: حذقت القرآن ابن تسع سنين ثم ثلاثا لضبط القرآن والعربية والحساب فبلغت ست عشرة وقد قرأت من الأحرف نحواً من عشرة بما يتبعها من إظهار وإدغام ونحوه وتمرنت في الغريب والشعر واللغة ثم رحل بي أبي إلى المشرق.
[رحلته]
رحل مع أبيه في التاريخ المذكور وسنه إذ ذاك سبعة عشر عاما، وقال صاحب المطمح عن سنه وحاله أيام الغربة مع أبيه:"وأبو بكر إذ ذاك في ثرى الذكاء قضيب مادَّوح، وفي روض الشباب زهر ماصوَّح، فألزمه مجالس العلم رائحاً وغادياً، ولازمه سائقا إليها وحاديا، حتى استقرت به مجالسه. واطردت له مقاييسه فجد في طلبه، واستجد به أبوه متمزق إربه، وبقي أبو بكر متفرداً، وللطلب متجرداً، حتى أصبح في العلم وحيدا، ولم تجد عنه الرئاسة محيداً".
دخل الشام والعراق وبغداد وحج سنة تسع وثمانين وعاد إلى بغداد ثم صدر عن بغداد وأقام بالإسكندرية ثم انصرف منها إلى الأندلس سنة خمس وتسعين بعد عامين من وفاة أبيه فقدم بلده إشبيلية. وقال صاحب المطمح عن قفوله إلى وطنه:"فكر إلى الأندلس فحلها والنفوس إليه متطلعة، ولأنبائه متسمعة فناهيك من حظوة لقي، ومن عزة سقي، ومن رفعة سما إليها ورقي، وحسبك من مفاخر قلدها ومحاسن أنس أثبتها فيها وخلدها".